هل يمكن الكتابة عن سعيد عقل من دون ميل وهوى؟ هل يمكن وداع سعيد عقل من دون أن تسقط دمعة لا نريدها ككل الدموع؟ هل يمكن أن نعتصر، أو نختصر، صورة خزّناها في الذاكرة أكثر من نصف قرن، بل احتمينا بفيئها وغذّيناها طوال عقود لنأتي بلحظة ونعترف أنها أصبحت في الغيب ولم نعد نمتلكها امتلاكًا فعليًّا وماديًّا؟ هل يمكن أن نتصوّر أن سيّد الرمزيّة الشعريّة اللبنانية أصبح في دنيا غير دنيانا؟ كنّا نعتقد، نحن جيل سعيد عقل، أن معارك سعيد عقل، المقْنِعَة وغير المُقْنِعَة، كانت تُزَوِّده بسلاح مصنوع في مصنع كلمته، وتُزوّده بذخيرة مكوّنة في كينونة ذاته، لذا مهما ابتدع من معارك شعريّة فهو المنتصر، ومهما «اخترع» من معارك لغوية فهو المنتصر، ومهما رسم خرائط نثريّة لخوض تلك المعارك فهو السيّد وهو البطل في «ساحات حرب يبتكرها، بل «يخترعها» لنفسه من أجل بطولات جميلة سواء ناصَرْتَه فيها أم خاصَمْت. والقول يطول في هذا السياق. لكنّنا، لأننا أحببنا سعيد عقل، أحببناه أخِيلاً أخْيَليًّا في إلياذة لبنان، اكتشفنا أنّنا نحبّه اليوم أكثر، ونريده اليوم أكثر، أكثر من أي يوم مضى، ونريد أن نصون كاحِلَه من سهمٍ غادر أو من تنّين ينطح الصخرة. نريد اليوم بالذات، أن نحمي سعيد عقل من وطيس معاركه الجميلة فنحتمي بكاتدائياته الشعريّة الفذّة ونسير بشعره إلى أعلى علّيين وإلى سدرة المنتهى لنبني بها قصوراً شعريّة بعد أن نكتشف، بهدوء ويقظة متناهيتَين، أبلغ معاني الحداثة المستمدّة من قلب الخاصة الشعرية الفريدة التي تركها لنا سعيد عقل ورحل.