"أيتها المهبولة في كل الوجوه أنت، أغلقي أولا هذا الباب العاري، سدي النوافذ القلقة ثم قللي من خطايا الكلام واستمعي إلي قليلا. لقد تعبت. شكرا لهبلك وغرورك فقد منحاني شهوة لا تعوض للكتابة ووهما جميلا اسمه الحب.. مثلك اليوم أشتهي أن أكتب داخل الصمت والعزلة.. لأشفى منك بأدنى قدر من الخسارة " هذا هو واسيني الأعرج الروائي الجزائري.. أو شيء منه، أو ربما كله وأحيانا بعضه.. لا أعرف كيف أصفه! فقد بقيت تحت قبضة ما يكتب فأتيت به ليشبع الكلمات، ولكنه أشبعني جوعا إلى أحلامه، ففيه تجد حالة أشبه بالسراب لكنه الانعتاق الذي يوصلك إلى الوجود وبعضا من الهبل الشهي.. هنا واسيني يوقف كل التفسيرات ليكتب عبر صفحة على المكشوف عنه أو عن شخصياته أو جميعهم معا. عن رجل ننتظره بجوارنا فيباغتنا بالجلوس على المقعد المجاور للسحر. يخلع قبته، يضع أوراقه قريبا منه ليعاود ترتيب ربطة عنقه. يبتسم. ينهض ثم يرحل مخلفا كل المعارك والانتصارات في كلمة. الحب عاصفة تسكن حواسنا المهبولة حتى إن لم يرغب بها العقل لا داعي * "نعم نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظل حيا ومفتوحا، نكتب لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنا نشتهي قوله، نكتب بكل بساطة لأننا لا نعرف كيف نكره الآخرين ولربما لأننا لا نعرف أن نقول شيئا آخر".. ما هو الشيء الذي اشتهيت أن تقوله يوما ولم تستطع قوله أو كتابته عن "واسيني"؟ - اشتهيت أن أشبع من وجه أمي. أن أقول لها ببساطة: أحبك يا يمّا. احبك يا أمي فوق كل حب. أشتهي أن أنام في حجرك كما في طفولتي الأولى وأسمعك بلا حدود حتى أنام نهائيا مثلما كنت أفعل صغيرا. اشتهيت أيضا أن أقول لأول امرأة أحببتها في طفولتي وكنت اعرف أنها أيضا كانت تحبني، ولكن الخجل والخوف من فقدانها عقدا لساني وظللت على صمتي، وأول كلمة قلتها لها متأخرا بعد سنوات، وهذه المرة ببعض الجرأة: نفترق لأن الدنيا لم تضعنا في نفس المسالك. وافترقنا. حاولت أيضا أن أكتب الجزء الأول من سيرتي ولكني فشلت لأني صممت في رأسي إما أن أكون صريحا وربما جارحا لنفسي ولغيري، أو لا داعي. تمنيت أن أكتب سيرة جميلة ولكني لم أستطع. ليس بسبب الخوف الاجتماعي أو الذاتي، ولكني رفعت الشارة إلى مستوى عال. ربما يتجاوز قدراتي. قلت إما أن أكتبها كما فعل نيكوس كانتزاكي في تقرير إلى غريكو، بألقها وجنونها وجمالها، وإلا لا داعي. كان لا داعي هو المنتصر. في أعماقي من الحساسية الأنثوية ما يكفي ليجعلني أفهم وجدان المرأة شيخوخة الحواس * متى تزداد وحدتك التصاقا بك؟ وهل تعيش النسيان بالتقسيط أم تحب أن تدفعه دفعة واحدة؟ - وحدتي تكبر عندما أنتهي من كتابة نص روائي أخذني على جناحيه على مدار سنة أو سنتين، فجأة عندما أنتهي منه وأدفع به إلى دار النشر أشعر بصمت الأشياء من حولي وهو صمت يشبه الموت بشكل غريب. أشعر بالفراغ يضيق عليّ وعلي أن أدخل في دوامة روائية جديدة لكي يصبح للحياة معنى. طبعا عندما نحب لا نطرح هذه الأسئلة على القلب وإلا سنصبح كالكيميائيين، نزيد وننقص بحسب الوصفات وبحسب ما نريد. الحب هو على العكس من ذلك. عاصفة مدهشة ولكنها أيضا مدمرة في بعض حالاتها. هو كل ما لا يريده العقل وتريده حواسنا المصابة بعطب الهبل. العقل يحلل والحب لحظة غير منتظرة مثل الفيضان لا نراه كيف يكبر، إلى يوم يأخذنا ويسحبنا بعيدا. قد لا يدوم طويلا ولكن قوته لا تقاوم لأنها اصدق ما فينا من عفوية وتوحش أحيانا لأن العاشق قد يقتل وقد يموت وقد ينتحر أيضا. ما هي هذه الكيمياء أو الخيمياء الغريبة التي تأسرنا بهذا الشكل وتشكلنا بقوة؟ لا أعرف ولكني أحب هذه الهزات العنيفة التي ترميني في يمها وتشعرني بقوة بأن الحياة ما تزال ممكنة. وأن حواسنا لم تشخ. أكبر مقتل للإنسان هو عندما يشعر بأن حواسه الحية دخلت مرحلة الشيخوخة بما في ذلك الحواس غير المعلنة كحاسة الكتابة والهبل والمغامرة. علينا أن نخوض معاركنا الداخلية حتى لو انتظرتنا الهزيمة في نهاية الطريق مملكة الفراشة * في روايتك الجديدة "مملكة الفراشة" كتبت (أحاول أن أنسى كل شيء وأعبر مثل الفراشة فوق ألسنة النار. أن أنام وسط الألوان يخلقها قلبي ويؤثثها جنوني) كيف هو شكل جنونك في مملكة الفراشة؟ - على الرغم مما في الرواية من تدفق شعري فهي رسم للقسوة التي لا يقاومها تحديدا إلا الخروج من دائرة يوميات قاهرة في ظل الحرب الأهلية التي انتهت لتحل محلها حرب أخرى أقسى هي الحرب الصامتة. حرب غريبة لا هي حرب ولا هي لا حرب، يموت فيها الناس بالآلاف. لا تترك شيئا واقفا إلا وأحرقته، لا نعرف كيف تنشأ ولا كيف تكبر ولا كيف تنتفي. تأثيراتها كبيرة على نفسية وحياة المواطنين، فهي من يدفع الناس إلى العزلة وبناء عالم خاص في ظل سيطرة الخوف على أذهانهم وعقولهم. كل شيء يتم في مملكة الفراشة من خلال عائلة يعيش أفرادها العزلة والخوف، بداية من بطلة الرواية "ياما" وهي شابة تسلمت صيدلية والدها الذي فضل الاعتزال، فتضطر ياما لإغلاق الصيدلية بسبب الأوضاع الأمنية الصعبة التي لم تنجح في مواجهتها أو التأقلم مع مستجداتها، لتنظم بذلك إلى العزلة الاختيارية، ولتبقى هي الأخرى حبيسة المنزل بعد أن وجدت في الفيسبوك متنفسا لها، إلا أنها ستكتشف أنه كان سببا في تورطها بعلاقة مشبوهة مع مخرج مسرحي منفي تقودها في دوامة عنيفة ربما كانت هي جوهر الرواية. أحب الهزات العنيفة التي ترميني في يمّها وتجعل الحياة ممكنة حزن المطر * ماذا يفعل البرد والمطر والثلوج ب"واسيني"؟ ومتى تمطر روحك اشتهاء أكثر للحياة؟ - المطر بالنسبة لي هو الحياة والسخاء. الغريب لا أحب كثيرا الأمكنة الجافة لأني اشعر ومنذ طفولتي أن الموت له شكل جاف مثل الهيكل العظمي وأن الحياة تنضح ماء كبرتقالة. كلما سقط المطر تحولت إلى كائن غريب. أكره حمل المطريات ولكني أشتهي أن أمشي برفقة امرأة تحمل مطرية أو أحملها لها وليس لي. أحب القبعات. يعجبني المطر ليلا عندما تنعكس الأنوار على الماء في الطرقات. وتلاحظين أن في رواياتي كل ذلك يتكرر بوضوح. هذه السنة شبعنا مطرا في باريس وفي كل الأمكنة العالمية التي زرتها وشبعنا ثلجا. أحب ذلك كله لأنه يعيد لي عالما جميلا وقاسيا مات. في بعض الأحيان وأنا أمشي تحت المطر أصاب بحزن شفاف عميق. أتذكر طفولة حزينة عندما كانت المياه تنزل علينا من السقف الترابي بسبب هشاشة البيوتات الريفية وقتها، ونضطر لتغيير أمكنة فراشنا والقطرات في السقف تتقدم نحونا. أنام أحيانا على وقعها وهي تنقط في الإناء الكبير الموضوع على الأرض تاك... تاك... تاك... إلى اليوم هذه النقرات تحزنني وتنومني. للمطر مفعول غريب فيّ يقع على حافتي الفرح الطفولي والحزن أيضا. لا أستطيع أن أصف ليلة القبض على والدي إبان الثورة الوطنية الزجاج الشفاف * أتعنيك التفاصيل الصغيرة في الحياة ؟ كيف تعيش تفاصيلك الصغيرة حينما تتوق إلى الرقص فوق أوجاعك؟ - أنا لا أتوق إلى أوجاعي لأني لا أحبها، ولكنها عندما تأتي أفقد قسوتها وأحولها على زجاج شفاف أي إلى كتابة. أنا من المؤمنين بعمق بأن الحياة رمشة صغيرة هاربة، وعلينا أن نلقي عليها القبض ولا نتركها تذهب بيضاء لأن كل بياض في الحياة هو عجز منا في التواصل مع الحياة. يعني ببساطة بأننا قبلنا بأن يهرب منا جزء من الحياة مع أننا نعرف سلفا أن الموت لا يمنحنا ولا ثانية زائدة عندما يحضر بجبروته. حتى ولو تمرغنا أمامه مهزومين. أحيانا لا أصيب في جنوني ولكني في هذه الحالة أيضا أكون قد جربت الحياة على الأقل. تفاصيلنا الصغيرة هي حياتنا وسعادتنا أو بؤسنا. الهزيمة * أيوجد بداخل "واسيني الأعرج" رجل مهزوم؟ أم أن بداخلك طفل لا يكف عن المشاكسة والعبث والتحليق بروح الأمل؟ - لكل واحد منا أشباحه. شبحي الكبير والقاتل والمعذب هو التاريخ. عندما اقرأه يهزمني القدْر البشع من الكذب الذي فيه ولكني أرفض أن أنهار وأترك له الساحة. أنا مثل دون كيشوت وأومن بقوة بأطروحاته العظيمة وعلى رأسها غلاف السخرية الذي يمنحني كل التوازنات الممكنة في مجتمعاتنا الخرافية والأسطورية التي لا يحكمها العقل. ليس المهم أن تنتصر في معاركك الداخلية لكن الأهم هو أن تخوضها حتى عندما تعرف بأن ربما الهزيمة تنتظرك في النهاية ولكنك لا تسلم لأنك تظن مسبقا أنه بإمكانك أن تقلب الموازين. هو ما فعله دون كيشوت وخاض حروبا غير متساوية وانهزم فيها ولكن كان له شرف خوضها بجنونه المعتاد. نضحك عليه كثيرا وننسى أننا بالفعل نضحك أيضا من عجزنا. يجب أن نبتدع الأمل حتى عندما لا يكون موجودا وإلا مافائدة أن نستسلم من اللحظة الأولى. لحظة تأمل مزيداً من الحرية * (عندما نريد أن ننسى دفعة واحدة. علينا أن نتعلم كيف نتفادى النظر إلى الخلف حتى لا نجر إلى نقطة البدء، كل التفاتة هي محاولة يائسة للبقاء) متى شعرت برغبة جامحة للعودة إلى الوراء؟ أتملك قدرة النسيان دفعة واحدة؟ * نحاول أن نلتفت عندما تكون الهزيمة قاسية وعندما نخفق في أن ننظر إلى الأمام. عندما صممت على مغادرة الجزائر ذات شتاء من سنة 93، لم ألتفت ولم أنظر إلى وجهي ولديّ اللذين كذبت عليهما وقلت لهما اننا مسافرون إلى باريس في عطلته، لأني لو نظرت إلى وجهيهما لعرفا كذبتي ولعدنا على أعقابنا، مما كان يعني الاغتيال والموت المؤكد. ولم التفت إلى الوراء وأنا أغادر بيتي بشبه سرية لأني لو فعلت أيضا لما غادرت المكان ولكان اليوم قد نبتت الأعشاب الضارة على قبري. لم أكن أريد حياة على غلاوتها، بالمعنى البيولوجي، ولكني كنت أريد مزيدا من الحرية والحياة للاستمرار في الكتابة وقول شهادتي عن عصري وربما كان هذا تفسيري أيضا للكتابة الكثيرة. كنت وما زلت أحمل في أعماقي صوت الذي سرق صوتهم في وقت مبكر وعلى حين غفلة، وأمنحهم مساحاتي لكي يكونوا حاضرين. رواياتي مجتمعة لا تقول في النهاية إلا هذا. الكتابة * أتزورك الرتابة في وقت أصبحت فيه السطحية هي السائدة؟ حينما تشعر بأن كل شيء حولك أصبح "اعتياديا" ماذا تفعل؟ - لا أدري ولكن ديناميتي الداخلية ترفض الرتابة وترفض الحياة السهلة أيضا وإن كنت أحب الحياة الجميلة التي بها تعب أقل ولكنها لا تتوفر لي إلا في السفرات والدعوات حيث انعم بنزل خمس درجات على حواف البحر والسفر بالدرجة الأولى أو البزنس كلاس. جميل هذا ولكنه ليس حاسما في حياتي. حياتي ليست سهلة. فأنا أعمل بجامعتي باريس والجزائر وبحب كبير ليس نحو المؤسسات ولكن نحو طلبتي وطالباتي اللواتي اشعر نحوهن بعطف غريب لأني أشعر بهن الأكثر هشاشة في كل الرهانات التعلمية والمجتمعية. المشكل أنه في الكتابة العادي هو موضوع الكتابة وليس هامشها. ما يبدو للآخرين مسطحا قد يبدو مادة تستحق كل الاهتمام والكتابة. ما يزال في مجتمعاتنا متسع للكتابة والإبداع على الرغم من التسطحات المعممة هنا وهناك والتي تجعل من فعل الكتابة ليست فعلا سهلا ولكن شديد القسوة ورهانا يجب ربحه مهما كانت الظروف. من قال إن الكتابة سهلة؟ خسارة الجسد * أي الأشياء التي خسرتها بعد أن ظننت بأنك امتلكتها؟ ماذا تأخذ معك حينما تودع خساراتك؟ ولماذا تكثر الحديث عن الخسارات؟ - الحياة هي سلسلة من الخسارات وهي طبيعية في حياة الإنسان. أنا لا أتحدث بالمعنى المادي المباشر. أولى الخسارات طفولتنا التي يبنى عليها كل ما سيأتي. نشتهي أحيانا العودة على دواخل أمهاتنا لأن هشاشتنا غير قادرة على التحمل. خسارة ما ظنناه حقيقة مطلقة وفجأة نكتشف انه كذبة كبيرة لا تختلف كثيرا عن غيرها من الكذبات العامة. خسارة الحب. خسارة الجسد من شدة التعب والإنهاك والعمر، ويصبح غير مسعف لجنوننا. اقسى خسارة هي أن يظل مخك شابا وحيا وتشعر بأن جسدك بدأ يتخلى عنك شيئا فشيئا. هذه الخسارات القاسية وهي خسارات تكاد تكون طبيعية لكن مشكلتها لا تعوض. أليست الخسارة والفقدان هما ما يدفعنا نحو الكتابة؟ الحرية * الحياة تعطي مرة واحدة.. ما هو الشيء الذي تنتظر أن تعطيك إياه الحياة؟ - الحياة لا تعطى ولكنها استحقاق عظيم. أي لا تكفي أن تكون حيا في هذا أنت شبيه لكل الكائنات النباتية أو الحيوانية. لكن المطلوب منك أن تعي ما هو جوهري من عبورك في هذه الحياة؟ ملتصق بالأمل أو ببعضه لكي استمر فيها كما أشاء. أن تمنحني الحرية أو أنتزعها لأني رجل لا يمكنه أن يعيش خارج الحرية. في غيابها أختنق. مثل السمكة إذا غادرت بحرها لا تتحمل. يسكن الجفاف حلقها وتموت بسرعة. هذا أنا باختصار. قبل أن أكون رجلا يفكر، أنا كائن ولج حرا ويشتهي أن يموت في فراش الحرية. لهذا فالحياة استحقاق بكل ما يتطلبه منا هذا الاستحقاق من جهود مضنية. مع أحلام مستغانمي أنثى الصعوبة * كتبت على لسان امرأة (جئت إليك للمرة الأخيرة، لتجعل مني امرأة ولأنساك دفعة واحدة، أصعب شيء على المرأة أن تحمل في قلبها رجلا لم تشبع منه) من أين لك بكل هذا الفهم الغزير لوجدان المرأة؟ ألا تظن بأنك تجزم هنا بحقيقة وفاء الأنثى على حساب غدر الرجل؟ - في أعماقي من الحساسية الأنثوية ما يكفي ليجعلني افهم وجدان المرأة بحيث كثيرا ما طرح لي ذلك مشكلات في علاقاتي مع محيطي. أنا كبرت في وسط نسائي نشيط ذكي ومحب. كبرت في حضن أمي بعد استشهاد الوالد في 59 كبرت في حضن جدتي التي كانت معلمي الأول. كبرت أيضا بين بنات خالاتي وعماتي وأخواتي. ورأيت كيف يقاومن من أجل العيش في ظل غياب الرجال لأنه كان وقتها إما في الثورة أو في الهجرة. عالم من الصعوبة والجمال أيضا. لهذا افهم هذا الوجدان لأني خزّنته في ذاكرتي وفي كل حواسي. بسهولة أفهم ما الذي يجيش في خاطر امرأة منكسرة أو سعيدة. افهمها بعمق. وفي كتاباتي كلها هناك حضور طاغ للمرأة لأنها الأشجع والأنبل والأعظم. المرأة من الذكاء والشجاعة أنها تصرّف طغيان الرجل وتظهر له حقه الرجولي لكن المرأة في النهاية لا تفعل إلا ما يشغل بالها على الرغم من الآلة الذكورية القهرية. هروب من البرد قلق الحب * "هل تصدقني ان قلت لك أن عيوني لاتلمع إلا لحنان تجده في عينيك؟ أم أنك لا تصدق ولن تقتنع لأن من طعنوك في القلب لم يتركوا لي منه قطعة سليمة واحدة تصدقني بها" أدفعك العشق يوما لأن يكون لديك عينان لا تلمع إلا لحنان لمحته في عيني حبيبة؟ هل نجوت بقلبك أم أن ذلك الحب تسبب بطعنة حتى لم يترك لك به قطعة سليمة؟ - أصدق كل شيء جميل يدفعني نحو من أحب أو نحو من يحبني. في الحب لا أعقد الأشياء أبدا. لأن الذي يأتي نحوك لا يفعل ذلك إلا من خلال وازع عميق. صادق أو غير صادق تلك مسألة أخرى تصنعها الحياة لأني لست منجما. لأن في النهاية، الحب هو أنبل قيمة وأعظمها ولهذا ليس من السهل تركه. طبعا الطعنات صعبة ولكن أيضا الانسحاب ضروري عندما لا تتوفر هذه القيمة التي نبحث عنها. اشتهي أن أموت بين ذراعي امرأة تحبني وأحبها، على أن أموت بين ذراعي امرأة عقلها في رجل آخر أو في شان آخر. أي في عمق كذبة. لهذا الحب من الرهافة والشفافية بحيث أن كل شيء يُرى ويُشم ويحس حتى عندما نكذب، لا نستطيع أن نفعل حياله الشيء الكثير. ليس الحب هو القاتل وليس الحب هو المنهك ولكن الوساوس التي تصحبه وترافقه. القلق الذي يسكنه بقوة. لهذا أميل نحو تبسيط الأشياء وتصديقها وعدم تعقيدها واترك الباقي للحياة. في احدى المكتبات مدن الهبل * أي المدن منحتك التمادي وفرصة الهبل؟ أتشبهك تلك المدن أم يغريك فيها غربتها عنك ؟ ثم لماذا تشبه المدن بالنساء هل لتعوضنا عن امرأة لا يمكن لنا أن نصادفها في الحياة؟ - في المدن دهشة خبيئة، المشكلة الوحيدة هي كيف نحسها ونعيشها. كانت مدينة وهران مدينتي التي أيقظت في كل الحواس النائمة ومارست فيها هبلي الأول وعمري اقل من عشرين سنة في جامعتها. الحياة كانت متدفقة وكنا نعيش حرية غريبة في الجزائر على الرغم من تناقضها. بعدها وجدت في دمشق هبلا آخر قادني إلى اعتبار دمشق مثل أمي. كانت تحبني وتريدني قريبا منها وتسأل عني. وكنت مسكونا بها. أحببت فيها. ابكتني كثيرا وأبكيت فيها أناسا عديدين. أسعدتني أيضا. تلك هي الحياة. المدينة المهبولة هي تلك التي تفهمك ولا تطبق عليك اية مسطرة عنيفة أخلاقية أو دينية لأنك في النهاية لا تضر أحدا. وربما كانت باريس من أجمل المدن كلها لأن الفرص الحياتية والثقافية التي توفرها لا توفرها مدن أخرى. أي أنها تمنحك فرصة الهبل العالي. يوقع أحد اصداراته الشوق المنهزم * ماهو الصوت الذي سكن بداخلك ولم تنسه يوما؟ إلى أين يأخذك ذلك الصوت كلما سيطر على ذاكرتك؟ - صوت أمي. يأخذني بجنانه ودفئه بالخصوص لما تكون منكسرة. أيضا صوت أول امرأة أحببتها إلى اليوم أكون في بارس في قطار في مطار من المطارات أسمع صوتا شبيها لصوتها التفت نحوه لأتفرس في وجه من كان يتكلم. صوت المطر لأنه بسرعة يتحول إلى لغة في كتاباتي. صوت أمي يأخذني بعيدا على حافة لا هي الحياة ولا هي الموت فأعود منها حزينا ومنكسرا لا أنا قادر على العبور في الوقت الحالي نحو تلك الحافة ولا أمي قادرة على المجيء نحوي. اشتاق صوتها كثيرا. كان يؤنسني. اليوم كلما ذهبت نحوها ولم أجدها في البيت أشعر ببرد كبير يهزمني. رائحة اللحظة * في ذاكرة كل منا صور عديدة عن الطفولة إلا أن صورة واحدة تظل دوما ناهضة وسامقة في الروح. ماهي الصورة التي بقيت في ذاكرتك وتختزل حياة واسيني؟ - صورة ليلة القبض على والدي إبان الثورة الوطنية عندما اقتادوه نحو السيارة ونحن نصرخ وهم يهددوننا بإطلاق النار. اللحظة التي تشعر فيها بالعجز الكلي وانك غير قادر على فعل أي شيء تلك اللحظة تحمل رائحة غريبة إلى اليوم استرجعها ولكني لا استطيع أن أصفها أبدا. غيمة * ما هو السر الذي لم تقله يوما لأحد؟ - ولأنه سر، سيظل كذلك. هو سري الأوحد والأبدي. لو أقوله سيخسر تعريفه: سر ويصبح أمرا مباحا. فهو سري الصغير الذي لا يؤذي أحدا ولكنه يغلف حياتي بغيمة بنفسجية جميلة تعطيني الرغبة في الحياة أكثر.