العنف ضد المرأة وتعرّضها لأسوأ المعاملات، ممارسة لم تستطع أن تتخلّص منها المجتمعات الحديثة، على رغم الإنجازات التي حققتها المرأة في ميادين شتى، وليس فقط كأم تربّي وتُعد أجيال المستقبل. هذه الظاهرة موجودة في الدول المتحضرة الكبرى كما في دولنا العربية، حيث المجتمع الرجولي. لذا، تحسب المرأة ألف حساب قبل أن تشتكي ظلمها من ممارسة الزوج والأب والأخ، وحتى الابن أمام الهيئات الرسمية حتى لا تشوّه صورة العائلة. ظاهرة تعنيف المرأة جسدياً ومعنوياً حاضرة في الجزائر، كما باقي المجتمعات الأخرى. وبدأت تأخذ منحى متصاعداً خطيراً وفق الأرقام التي قدّمتها مصالح الشرطة ومنظمات المجتمع المدني، لمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد للمرأة، إذ أشارت إحصاءات الشرطة إلى تعرّض أكثر من 7 آلاف امرأة للعنف في كل أشكاله خلال الشهور التسعة الأولى من العام الماضي، وإن كان هذا الرقم يخفي آخر أكبر منه بكثير عن النساء المعنّفات في الجزائر، وفق جمعيات ناشطة في مجال حماية المرأة، وذلك نظراً إلى عزوف كثيرات عن التبليغ عن وضعهن خشية من أفراد العائلة أو عدم رغبتهن في إلحاق «العار» بالعائلة، وافتقاد ثقافة التنديد بالعنف عند كثيرات أو لوجودهن في مناطق يستحيل عليهن إيصال شكواهن. تشير الأرقام التي قدّمتها الشرطة في الجزائر حول ظاهرة العنف ضد المرأة، إلى أن 7010 امرأة تتراوح أعمارهن بين ال18 وال75 سنة قدّمن شكوى بسبب تعرضهن للعنف، من بينهن 5034 امرأة كن ضحية العنف الجسدي، وكذا 1673 امرأة ضحية سوء المعاملة، و27 امرأة كن ضحية للقتل عمداً. كما تكشف الأرقام الرسمية عن المتورطين في أعمال العنف هذه، حيث يأتي الأزواج والأبناء ثم الإخوة وأخيراً غرباء، يتمثلون في زملاء أو جيران أو مجهولين. «عنف شامل» ... و تشدد والملاحظ من خلال الأرقام الرسمية، أن العنف يشمل مختلف الفئات العمرية، وليس فقط الماكثات في البيوت من يتعرضن للعنف بل حتى العاملات، ومنهن من يتولّين مناصب عليا في مراكز عملهن، إذ سجلت 4713 حالة من دون مهنة و1330 موظفة و103 في وظائف مرموقة، و374 جامعية و67 متقاعدة و87 حالة أخرى. كما تبرز الأرقام أن الشريحة الأكثر تعّرضاً للعنف هي شابات في مقتبل العمر، وتأتي المتقاعدات في آخر الترتيب. والشريحة الأكثر تعرضاً للعنف، تشمل النساء الماكثات في البيوت. لكن الأرقام لم تفصل في شريحتهن العمرية. في المقابل، توضح الإحصاءات أسباب تعرّض النساء للعنف، وهي أساساً المشاكل العائلية، وقد سجلت في هذا الصدد 2509 حالات، ثم الدوافع الجنسية من اغتصاب وعنف وتحرّش جنسيين (255 حالة). وأحصيت أكبر نسب العنف في المدن الكبرى، وفي مقدمها الجزائر العاصمة ووهران في غرب البلاد وعنابة في أقصى الشرق. ووفق سمية صالحي الناشطة في مجال محاربة العنف ضد المرأة ودعم حقوقها، بدأ العنف ضد النساء يأخذ منحى خطيراً جداً. وكشفت أن إحصاءات 2012 التي قدمت إلى دوائر الدرك الوطني تتضمن 261 حالة وفاة بسبب العنف و300 حالة اغتصاب. وفي تصريح إلى «الحياة»، طالبت صالحي بضرورة «تشديد العقوبات ضد الجناة ووقف الإفلات من العقاب عبر إعادة النظر في قانون التسامح الاجتماعي التقليدي، من خلال إثرائه بنصوص تحدد مفاهيم وتعرّف قانونياً حالات الاغتصاب والتحرّش الجنسي والعنف، وكذلك سنّ قوانين تعاقب على العنف ضد المرأة»، مشيرة في هذا المجال إلى مبادرة أطلقتها مع برلمانيات تنص على تقديم مقترح قانون يعاقب على العنف ضد المرأة، ووضع قانون إطار يسد الفراغ في هذا المجال. واعتبرت صالحي أنه «غير مفهوم وغير جائز أن تتعرّض المرأة للعنف في مجتمع تشكل فيه نسبة 65 في المئة من حملة الشهادات العليا، وثلث قضاته نساء إلى جانب حضورها الواسع في مجالات الصحة والتعليم». ولخّصت وضع المرأة الجزائرية بالقول: «كلما تقدمت إلى الأمام تُضرب بهدف تذكيرها بدورها المنوط بها وهو البقاء في البيت، وإذا خرجت منه إلى العمل تكون خرجت من بيت الطاعة». وحضت على التخلّص «من النظرة الدونية للمرأة وجعل وقف العنف ضدها قضية مجتمع وحمايتها وصون حقوقها كلها». والنداء الذي وجهته صالحي، أكدته أيضاً وزيرة التضامن الوطني والأسرة سعاد بن جاب الله التي دعت أخيراً إلى ضرورة مراجعة بعض القوانين الخاصة بالمرأة، وشددت على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة من خلال تشكيل لجنة تسهر على تنفيدها، لافتة إلى أن المجتمع المدني شريك أساس في هذه العملية. وكانت بن جاب الله دشنت خلال الاحتفال باليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، المركز الوطني للدراسات والإعلام والتوثيق حول الأسرة والمرأة والطفولة.