أكد بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي، أن «فراغ السلطات في لبنان يؤرقنا، لأن ذلك يقود إلى سلطة الفراغ والمجهول، ولبنان يستحق من اللبنانيين والعالم أن يكون مساحة لتلاقي الحضارات». ورفع اليازجي الصلاة في عظته خلال ترؤسه قداس رأس السنة في الكاتدرائية المريمية في دمشق من أجل لبنان وسلامه واستقراره، آملا ب «أن يعلو فيه منطق التلاقي على منطق الاستقواء، وأن يديم الله في ربوعه منطق العيش المشترك، وهو لم يخلق لتديره السفارات ولا ليكون إنسانه لقمة للتفجيرات المدانة دوماً، بل ليفجر عطاءات العلوم». ودعا اليازجي إلى «حوار غير مشروط وقبول للآخر في سورية»، قائلاً: «نريد سورية كما كانت، بلداً للتلاقي، ونريدها بلداً تسوده نسمة الطمأنينة والهدوء وليس الإرهاب، ومصنعاً للوطنية والحس بالانتماء للأرض لا مصانع تسرق، ومكاناً تكون فيه الطفولة بأمان وأن تكون واحدة موحدة برنة أبنائها وليس برنة السيف لتبني الغد وتنهض كطائر الفينيق»، مضيفاً: «كفانا حروباً وإرهاباً وتشريداً، ربيع بلادنا هو لقيا الآخر وصون دماء الأبرياء في بلادنا». وصلّى اليازجي «من أجل فلسطين، المنسية في عقول الكثيرين، وكي يحفظ الله مصر والعراق، وصَلاتنا أيضاً من أجل المطرانين يوحنا وبولس وراهبات معلولا وسائر المخطوفين». وترأس متروبوليت بيروت وتوابعها المطران الياس عودة قداس رأس السنة في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة، وألقى عظة قال فيها: «ربُّنا علَّمنا بتواضعه أن نحترم القوانين التي تنظم حياتنا وتبعدنا عن الفوضى. احترام الأنظمة ليس عيباً ومن يتقيد بالقوانين ليس قليل العقل كما يعتبر بعضنا، الذين يتباهون بالتحايل على الأنظمة والقوانين ويعتبرون ذلك شطارة. ومثل هؤلاء لا تبنى على أكتافهم الأوطان بل يكونون سبب خرابها». وأضاف: «لقد أبى الشر إلا أن يطوي السنة المنصرمة بمأساة آلمت جميع اللبنانيين، وما أكثر المآسي التي شهدناها في العام الماضي، وما أشد الأسى الذي غمرنا في كل مرة كانت تحل بنا نحن اللبنانيين مصيبة من تفجيرات وإرهاب وعنف واغتيالات وتعديات على الجيش وعلى المواطنين الآمنين وكوارث وضحايا إلى خضات سياسية عديدة. سنة الكوابيس كانت السنة المنصرمة. سنة التمرد على الدولة والتطاول على جيش الوطن، سنة الفلتان الأمني والانهيار الأخلاقي والتراجع الاقتصادي والضمور السياسي». وسأل: «ما ذنب الأبرياء الذين يودي بهم الشر، ما ذنب الأطفال والشباب الذين يربيهم والدوهم بدمع العين ودم القلب فيخطفهم الموت العبثي؟ وفي أحسن الأحوال تخطفهم الهجرة وتبعدهم عن وطنهم وعن نظر الأهل وحنانهم؟ ما ذنب من تملَّكهم الحنين إلى وطنهم وفضلوا العيش فيه على رغم الصعوبات على رفاهية العيش بأمان خارجه وعادوا إليه يساندهم الأمل، فإذا باليأس والقنوط يغمرانهم أو الألم يغمرنا لفقدانهم؟ هل أصبح لبنان مقبرة لأولاده؟»، وقال: «أليس هذا ما يفعله اللبنانيون بأنفسهم؟ أليسوا هم سبب المصائب التي تحل بهم، أليس الحقد الذي يغمر القلوب والتحجر الذي يغزو العقول والتطرف الذي لا يمت إلى الأديان بصلة، هو السبب؟ ما بالكم أيها اللبنانيون تعمرون العالم وتعملون على هدم وطنكم؟ كفى جعل لبنان ساحة مستباحة. أعيدوه وطناً لأبنائه. أعيدوه دولة ذات حدود معروفة وسيادة مفروضة على الجميع، لا يتطاول عليه أحد بل لا يجرؤ على ذلك. أعيدوه منارة لمحيطه والعالم. أعيدوه واحة سلام وأمن وازدهار وإبداع». وأضاف: «لقد انتشر اللبنانيون في العالم، وحيثما حلّوا أبدعوا. فهل هم عاجزون عن بناء وطنهم المفكك؟ أليس بينهم من هو أهل لتبوّؤ المناصب وتحمل المسؤولية وقيادة الوطن إلى ميناء الخلاص؟ لم لا نفتح لهم المجال وندعهم يعملون علهم يصلون بنا إلى حيث لم يوصلنا من سبقهم؟ دعائي أن يكون بدء هذا العام الجديد بداية أمل بمستقبل أفضل للبنان، مستقبل آمن في وطن تسوده المحبة والاحترام المتبادل بين أبنائه وتحكمه دولة تعتمد العدالة والمساواة واحترام حقوق المواطنين. مهما اسودت الأيام وقسا الدهر الله باق والحق لا يموت والخير لا يزول»، داعياً إلى «رفع الصلاة أيضاً من أجل أن يلهم الله حكامنا والمسؤولين في هذا البلد ويوجههم إلى عمل الصلاح والحكم بالعدل ومن أجل كل إخوتنا المهجرين والمخطوفين والأسرى والحزانى والمتألمين ومن أجل أخوينا المطرانين بولس ويوحنا وأخواتنا راهبات دير القديسة تقلا في معلولا وكل من هو بحاجة إلى رحمة الله».