ستظل «لمى» اسماً عالقاً في أذهان السعوديين، فهي لا تزال حتى ساعة كتابتي للمقالة في ظلمة بئر ارتوازية مهجورة، ابتلعتها قبل 11 يوماً وابتلعت معها الأحلام والطموحات وقلب أبيها وروح أمها. «لمى» دخلت غياهب بئر طولها 114 متراً وفوهتها 50 سنتيمتراً، ولن أخوض في عار بقاء هذه البئر مفتوحة، ولا أتوقع ألا تشكّل مثل هذه الآبار هاجساً للجهات ذات العلاقة، والعمل فوراً على متابعتها وردمها وملاحقة كل من يعمد لحفرها بلا ضابط ولا تصريح ولا حماية، إلا أن نكون بلهاء. لمى لم تكن الأولى في مأساة السقوط ببئر ارتوازية، فقد سبقتها امرأة في محافظة الطائف داخل بئر قطرها 40 سنتيمتراً وعمقها أكثر من 50 متراً، ومن امرأة الطائف إلى فتاة تبوك يظل السؤال معلقاً: ماذا اتخذنا من تدابير عملية لا ورقية تنظيرية؟ «الدفاع المدني» هي الجهاز الذي علق عليه السعوديون جل الآمال في إعادة لمى إلى الحياة، لكن محاولاتهم لم يكتب لها النجاح حتى تاريخه، وبالتأكيد أن هناك ما حال دون تحقيق أقل الدرجات من النجاح، ف«الدفاع المدني» لا تعمل وحدها في المكان، بل هناك أجهزة أخرى تشارك وتحمل الهم ذاته، لكنها تظل الجهاز المنتظر منها فعل أكبر. هبّ المواطنون للعمل التطوعي والتبرعات بالأجساد والأفكار، أقف ضد التبرع بالأجساد لأنه سيقدم لنا مأساة جديدة، أما الأفكار فنحتاج إليها ولو في مثل هذا الموقف فقط. الهجوم الشرس الذي وجّه إلى جهاز الدفاع المدني والمصحوب بالتشكيك في القدرات والإمكانات مسح ما سبق تقديمه في جهود مختلفة، وكان من المنتظر أن يعمد الجهاز إلى تقديم بيان تفصيلي توضيحي، يلم شتات الأوراق المتناثرة هنا وهناك، ويتصدى للمعلومات المغلوطة المتضاربة، ويُسْكِتَ من يستغل هذه الفاجعة ليهرف فيها بما لا يعرف. عني شخصياً، لا أشك لثانية واحدة في أن جهازاً معنياً بالمساعدة والإنقاذ وفي قصة مشابهة لقصة «لمى» سيتأخر في اتخاذ حل أو إيجاد وسيلة للنجاة، فالأنظار الوطنية مصوبة إلى مربع عمل واحد، لكن ثمة أزمة حقيقية لم يفصح عنها. سبق وأن قلت إن جهاز الدفاع المدني من أفضل الأجهزة تفاعلاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنه في أحد المنعطفات المفصلية - قضية لمى مثالاً - صمت وترك الفشل ليتحدث بالنيابة عنه، لم يكن يعجزه أن يقول الحقيقة وإن أوجعت، أن يتحدث في توقيت كل شيء فيه مقبول إلا الصمت، وأن يقول كل شيء إلا أن يعد، فالوعد ثقيل جداً. هذه الحوادث الفظيعة تقود دائماً إلى أن هناك إهمالاً وضعف إمكانات وقصوراً في العقول والأفكار، وعناداً وفشلاً ذريعاً وعدم رغبة في الاعتراف بأي مما سبق، وكان واجباً على «الدفاع المدني» أن تتحدث يومياً وبصراحة، تأملوا وتخيلوا لو أن من سقطت كانت ابنة مسؤول في جهاز ما، هل سيتقدم الصمت أم الحديث أم فعل المستحيل؟ ربما يأتي من يقول: ابنة المسؤول لا تسقط في بئر ارتوازية! [email protected] alialqassmi@