أمام وجوه شاحبة أرهقها القلق والتوتر وضاقت أمامها الدنيا بما رحبت، وعيون ترقرقت شلالات دموعها، وقف رجال نسوا طعم الراحة بعد أن جانبهم الكرى طوال 12 يوماً قضوها في عمليات بحث متواصلة من دون كلل أو ملل عن «ضحية البئر». وقفوا، يرقبون الفصول الأخيرة من مسلسل فقيدة البئر، ليشاهدوا المرأة الثلاثينية التي قضت غرقاً تنتشل أخيراً من داخل البئر الإرتوازية!. لم يكن يوم أمس (الخميس) يوماً عادياً البتة بحسب القاطنين في المناطق الشمالية من محافظة الطائف، إذ عثرت فرق الإنقاذ التابعة ل «الدفاع المدني» على ضحية البئر التي لاكت ألسنهم حكايات سقوطها في بئر إرتوازية في «شنيف» (شمال أم الدوم)، بعد أن آتى الخندق الذي حفرته بين بئري السقوط والإنقاذ أُكُله أخيراً، إذ تعالت الصيحات صباح أمس بعد إعلان الدفاع المدني العثور على شيء تحت البئر، تبين بعد تواصل نزول الكبسولات التي تحمل المنقذين الذين يمكثون في قعر البئر 40 دقيقة قبل أن يخرجوا ليحل مكانهم زملاءهم. ومع استمرار نزول «الكبسولات» المجهزة بالكاميرات والأوكسجين، تبين للمنقذين أن ذاك «الشيء» الذي رصدته أجهزتهم لا يعدو كونه جسد منيرة، الذي طمر الطين الجزء السفلي من جسدها بينما بقي جزؤها العلوي شامخاً في الطين، على رغم بقائها جثة هامدة داخل البئر طيلة 12يوماً. وما إن انتشلت جثة ضحية البئر (منيرة)، حتى نقلت سريعاً إلى مستشفى الملك فيصل في الطائف، حيث أعلنت وفاتها أمام حشد ممن شاهدوا الفصل الأخير بعد أن كتب لهم أن يعيشوا ويموتوا 12 مرة في كل يوم من الأيام الحزينة التي قضتها منيرة داخل البئر العتيقة المشئومة!. بدوره، أكد الناطق الإعلامي بإدارة الدفاع المدني بمحافظة الطائف المقدم خالد بن عبدالله القحطاني، العثور على مفقودة أم الدوم وانتشالها ظهر أمس الخميس 09/2/1432ه في حادثة فريدة من نوعها. وألمح الناطق الإعلامي إلى تسخير الإمكانات المادية والبشرية والآلية كافة منذ تلقي البلاغ وبناء معسكر ومقر للإسناد البشري والآلي ومركز للعمليات وآخر إعلامي، «وفي الوقت نفسه جرى نقل الكثير من الخبراء والمختصين والجيولوجيين والمهندسين والغواصين وبرفقة مدير الدفاع المدني بمنطقة مكةالمكرمة اللواء عادل زمزمي بواسطة طائرة خاصة إلى موقع الحادثة، في حين تمت معاينة البئر وفحصها بالأجهزة الحساسة واستخدام التقنية الحديثة لاكتشاف ما إذا كانت المفقودة على قيد الحياة من عدمه وباستخدام أجهزة النبض الحساسة، اتضح عدم وجود أي مؤشرات تفيد بقاءها على قيد الحياة، وبذلك تأكد وفاتها». وتابع: «في ثنايا ذلك تم التنسيق مع شركة مختصة في أعمال الحفر ومع هيئة المساحة الجيولوجية وخبراء ومهندسين من شركة أرامكو وشركة معادن السعودية، رافقت ذلك إجراءات تحقيق واسعة شملت الاستعانة بجهات أمنية وفرق كلاب بوليسية من الجمارك السعودية وتحليل مخبري لبعض الشعيرات التي تم العثور عليها في البئر من أجل التحقق من أنها تعود للمفقودة». وأضاف الناطق الإعلامي: «واجهنا صعوبة بالغة في عمليات الحفر لوجود صخور البازلت المعروفة بصلابتها الشديدة. واستمرت عمليات الحفر على مدار الساعة. وعليه جرى حفر بئر أخرى مجاورة للبئر موقع الحدث وموازية لها بقطر 120 سنتيمتراً وعمق 44 متراً تبعد عنها بمسافة 160 سنتيمتراً لضمان عدم حدوث انهيارات فيها. وتم تكييس البئرين (بواسطة أنابيب معدنية). وتم حفر بئر ثالثة بجانب البئرين بعمق أكبر لغرض تحويل ضغط المياه من البئرين إلى البئر الثالثة لتتمكن فرق الإنقاذ من تنفيذ المهمة بقدر أقل من المياه. وباستخدام التجهيزات الفنية كافة سواء الخاصة بفرق الإنقاذ أو أجهزة الاتصالات اللاسلكية أو أجهزة الحفر القص، تواصلت أعمال فتح القناة التي تصل بين البئرين في عمق 38 متراً ولمدة 37 ساعة متواصلة بقطر 90 سنتيمتراً لمسافة 160 سنتيمتراً بين البئرين كخندق وصل بين البئرين باستخدام كبسولة تم تصميمها في الورشة المركزية التابعة للدفاع المدني المشتملة على متطلبات السلامة كافة التي تضمن بعد حماية الله سلامة فريق البحث والإنقاذ. عندها، وبفضل الله تم الوصول إلى الجثة وانتشالها من دون إلحاق الضرر بها حيث كان هذا أحد أهم الأهداف. ونقلت الجثة إلى مستشفى الملك فيصل بالطائف لإصدار التقارير الطبية اللازمة».