لم يعد «التعصب الرياضي» سيد الموقف في ساحات موقع التواصل الاجتماعي بعد ظهور نوع جديد من أنواع التعصب بين عدد من المغردين السعوديين في فضاء «تويتر»، والذي تمكن تسميته ب«التعصب الفني» بين الجماهير الطربية لقامات الفن السعودي، مثل محمد عبده وطلال مداح وعبادي الجوهر. «عبداوي» و«طلالي» أو «طلالي الهوى» و«جوهري» مسميات احتلت ملفات التعريف لعدد من المغردين في نوع من أنواع إظهار الانتماء الفني للطرب المفضل، ودلالة في بعض الأحيان على الذوق الموسيقي للمغرد، إضافة لإنشاء آخرين «أوسمة» تويترية بأسماء المطربين، أو مسميات الانتماء عند تغريدهم بكلمات الأغنيات أو الروابط الإلكترونية لأغنيات المطرب المفضل، ليجد المغرد نفسه بين معجبين ل«طلال مداح» والذين اختاروا الانتماء لاسمه الأول وسيلة للتعريف بهم، و«العبداويون» لمحبي «محمد عبده»، فيما اختار محبو «عبادي الجوهر» مسمى ال«جوهريون» لقباً محصوراً لهم من دون غيرهم، إضافة للعديد من جماهير المطربين الخليجيين والعرب، إلا أن الثلاثة المذكورين هم من استطاعوا لفت الانتباه في الساحات التويترية. ويعمد المغردون المنتمون للمطرب المحبوب لديهم إلى التغريد بتسجيلات نادرة لجلسات الفنان، أو القديم والحديث للفنان المعين في نوع من أنواع جذب محبي الفنان من المغردين للاستماع لها، وكسب متابعين جدد لهم، إضافة للصور النادرة والقديمة للفنان، والتي عادة ما يعمدون إلى إضافة كلمات لأغنيات تتناسب مع هيئة الفنان داخلها لتجد انتشاراً أكبر وتسويقاً للحساب. التعصب الطربي لم تقف حدوده على مساحات الشريط الزمني التويتري فحسب، بل تجاوز ذلك للوصول إلى «الأنستغرام»، بعد منح الأخير مساحة أكبر للكتابة من ال140 حرفاً التي يلجم بها «تويتر» أفواه التغريدات بمجرد تجاوزها، إضافة إلى إمكان التسجيل الفيديوي لبعض المقاطع التي لا تتجاوز ال36 ثانية، يطرح فيها المستخدم للبرنامج ذوقه الموسيقي ل«الفانز» المحب للفنان، الأمر الذي وجدوا فيه جلباً لإشارات الإعجاب والمتابعة، إضافة لما صمم من صور وما لم يصمم عليها، والحقوق الحصرية الأكبر التي يمنحها «أنستغرام» لمستخدميه من خلال إغلاقه لخاصية «حفظ الصور» للمستخدمين. وبدوره، أوضح الناقد الفني والصحافي في جريدة «الرياض» عبدالرحمن الناصر أن المسميات الانتمائية للفنانين والتي تخلصت منها الساحة الفنية منذ وقت بعيد، عادت مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي ودخول جماهير الفنانين لهم، وقال: «في الماضي ومع بدايات الشبكة العنكبوتية كان لكل فنان موقع خاص به، ومحيط خاص بجماهيره لا يدخله آخرون، أما الآن فأصبحت مواقع التواصل تعج بحسابات أسماء فنانين عدة ينتمون إليهم». وأشار الناصر إلى أن العديد من الفنانين ممن لا يملكون جماهير أصبحوا يعمدون إلى إنشاء صفحات وحسابات وهمية لجماهيرهم، ورأى أن مثل هذه التجمعات لجماهير الفنانين كانت ستكون جيدة في حال تحرك الساحة، إلا أن الساحة الفنية الآن «أشبه بميتة»، ما جعل نتائج مثل هذه التجمعات نتائج «سلبية» في ظل عدم العطاء داخل الساحة وركود سوق «الكاسيت». ورأى المحلل النفسي المختص في القضايا الاجتماعية الدكتور هاني الغامدي أن «التعصب الفني» نوع من أنواع المبارزة غير المباشرة التي تجعل من «التعصب» عاملاً أساسياً لمثل هذا الحراك ضمن هذه الدائرة، والتي يظهر على أنه «انتماء» للفنان. وعزا الغامدي مثل هذا التعصب إلى التعددية المزاجية لدى أفراد المجتمع وكثرة العرض، والذي جاء بعد انتشار عدد كبير من الأفراد، ما جعل العملية أشبه ب«المنتجات» التي تتناسب مع الطبقات الفكرية والطبقات الشخصية، ما يدفع الأشخاص لانتقاء ما يرونه مناسباً لهم من الساحة. وأشار إلى أن لكل شخصية مزاجية معينة لاستقبال نوع الفن التي تميل إليه، فلكل مغنٍ شخصية متفردة تكون مؤثرة في عاملين، جودة الصوت وتأثيره ونوع شخصية الفنان، وأضاف: «بعض الأشخاص قد يميل إلى فنان معين ليس لجمال صوته بل لقربه الروحي لهذا الإنسان، وبالتالي يحب صوته، خصوصاً إذا كان الفنان قريباً من الجمهور ومتعاطفاً معهم، وله العديد من الإسهامات الاجتماعية المؤثرة». ولفت الغامدي إلى أن الاختفاء وراء اسم مستعار يكون عادة نوعاً من أنواع «لبس القناع» لفعل مخالف لما هو عليه الآن، لممارسة أمر يخالف حقيقة ما يمارسه خلال حياته العامة.