تم إبرام الصفقة النووية بين إيران والغرب بعد شهور قليلة من انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي يعتبر بديلاً معتدلاً نسبيا بالمقارنة مع سلفه المتشدد محمود أحمدي نجاد، فبعد أربعة أيام من المفاوضات في جنيف توصّل ممثلون عن مجموعة 5+1 وهي الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافة إلى ألمانيا إلى اتفاق مع إيران. ولكن تطرح هذه الصفقة التساؤل حول كونها جيدة كما يراها الطرفان. من سيخرج فعلاً من هذه الصفقة وهو فائز؟ وهل سيكون هناك خاسر في النهاية؟ لكي يتم الرد على هذه التساؤلات بشكل أكثر واقعية يجب علينا النظر إلى ملخص هذه الصفقة وتفاصيلها، على رغم أن الفوارق الدقيقة والتعقيدات وتفاصيل الاتفاق لم يتم نشرها، ولكن الملخص العام هو ما يلي: اولاً: وافق المجتمع الدولي (أو مجموعة 5+1) على عدم فرض عقوبات جديدة متعلقة بالبرنامج النووي لمدة 6 أشهر على الجمهورية الإسلامية، كما ستحصل طهران على 7 بلايين دولار من عائدات الصناعات المعدنية، وسيتم إنجاز هذا التخفيف من العقوبات بأمر إداري يتم إصداره من قبل إدارة أوباما من دون الحاجة إلى اللجوء إلى الكونغرس. في المقابل ستوقف إيران تخصيب اليورانيوم أكثر من 5%، وهو المستوى الذي يستخدم لتطوير السلاح النووي، أما المستوى الأقل من 5% من التخصيب، فهو كاف لإنتاج الطاقة النووية ولا يكفي لصناعة القنابل. ثانياً: ستلتزم إيران بتخفيض مخزونها الاحتياطي من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% وذلك عن طريق تخفيفه أو تحويله إلى أوكسيد، كما أنها لن تكون قادرة على تركيب أي أجهزة طرد مركزي جديدة أو بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم. ثالثاً: تمنح إيران حق وصول أكبر للمفتشين، ويتضمن التفتيش اليومي موقعي نطنز وفوردو، ولكن ليس لمواقع اخرى مثيرة للجدل، مثل بارشين. من المهم أن نوضح أن تخفيف العقوبات كما ينص ملخص الاتفاق، لن يحد من البنية التحتية والقدرة النووية لإيران، ولن يفكك أي أجهزة طرد مركزي، وهو ما يجعل الأزمة النووية الإيرانية لا تزال في مرحلة الخطر. إذن من أحرز النصر السياسي: إيران أم مجموعة 5+1؟ بعد ساعات قليلة من توصل فريق البرنامج النووي الإيراني ومجموعة القوى الست في جنيف إلى الخطوة الأولى من الاتفاق، التي تهدف إلى تخفيف القلق الغربي المتعلق بإمكان سعي طهران إلى السلاح النووي، قام الرئيس روحاني بإلقاء خطاب أمام السياسيين الإيرانيين موضحاً أنه تم التوصل إلى اتفاق نووي مع قوى العالم مبكراً في هذا اليوم، وأن قوى العالم قد اعترفت بحق إيران في الحفاظ على برنامجها النووي «بغض النظر عن التفسيرات المعطاة، فقد تم الاعتراف بحق إيران في تخصيب اليورانيوم»، هكذا صرح الرئيس الإيراني. طبقاً لما يراه طرفا الاتفاق، فقد حققت الخطوة الأولى النصر الكامل، فمن ناحية إدارة اوباما التي كانت تتسم بالتردد والحذر والقلق حيال اتخاذ بدائل مثل الخيار العسكري أو العقوبات الأكثر حزماً، أو تشديد المواجهات الديبلوماسية، ولذلك كانت تقوم بالدفع إلى أي نوع من الاتفاق، فإن هذا الاتفاق حقق أهدافها السياسية، وذلك بتخفيف قلقها بشأن التفكير في هذه البدائل. من ناحية أخرى، وبعد تحليل عميق للاتفاق والمفاوضات، مع الأخذ في الاعتبار مصالح إيران الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يتضح لنا أن الاتفاق له شكل مختلف تماماً في طهران، حيث يظهر هناك كانتصار للجمهورية الإسلامية أكثر مما هو انتصار للمجتمع الدولي. يمثل هذا الاتفاق تخفيفاً غير متناسب للعقوبات الإيرانية، حيث يعتبر أنه يصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية، لأنه ليس فقط لن يحد من قدرة البرنامج النووي، بل سيرفع أيضاً الضغط الاقتصادي عن كاهل إيران، مما يساعد الدولة على تعويض خسارة عملتها وإنعاش اقتصادها، الأمر الذي سيجعل إيران في غضون 6 أشهر في وضع أكثر قوة مع شعورها بضغط أقل لتفكيك منشآتها النووية أو لتخصيب اليورانيوم أو مفاعل البلوتونيوم، والذي يعتقد أن هدفه الوحيد تسليح البرنامج النووي الإيراني. في السابق تسبب الاقتصاد المتهالك والمتمثل في انخفاض مبيعات البترول من 2.5 مليون برميل في اليوم إلى اقل من مليون، وكذلك ارتفاع معدل التضخم وأيضاً معدل البطالة، مع الاستياء الداخلي من الحكومة وانخفاض قيمة العملة الإيرانية والعزل السياسي والجغرافي لطهران، تسبب كل هذا في إهانة الحكومة الإيرانية، وذلك لتعرض قبضة رجال الدين الحاكمة والقادة السياسيين والمؤسسة السياسية بأكملها للخطر بدرجة لا يستهان بها، أما الآن فان هذا الاتفاق سيسمح لطهران بتبادل تجاري أكبر لصناعاتها المعدنية، وكذلك في بيع البترول وسيسمح لها بالحصول على بلايين الدولارات من أصولها المجمدة سابقاً، كما سيعمل على إغراء شركات النفط الغربية على عودة التعامل مع إيران وأيضاً سيؤدي إلى كبح جماح النشطاء المحليين، ما سيصل بها إلى التمكن من ممارسة طموحها في الهيمنة على المنطقة. هل سيعمل الاتفاق على تسهيل هيمنة الجمهورية الإسلامية محلياً وإقليمياً؟ فشل الاتفاق في اعتبار جميع المصالح والاهتمامات التي سترتبط بإيران ذات البرنامج النووي الأقوى، فالاهتمامات الأمنية والاستراتيجية والسياسية للدول المجاورة لإيران لم تتم مخاطبتها بشكل كاف في الاتفاق، ما سيتسبب في أن ينظر القادة الإيرانيون الى هذا الاتفاق على أنه بمثابة ضوء أخضر لمواصلة طموحاتهم وأجندتهم للهيمنة على المنطقة، وكذلك سيتسبب في تعزيز قوتهم ونفوذهم في سورية ولبنان والعراق، كما انه سيصبح منصة قوية لإعطاء إيران القدرة على التمويل العسكري والاقتصادي لوكلائها في المنطقة ومنهم «حزب الله». يعمل هذا الاتفاق أيضاً على إزالة القلق العميق لدى المرشد الأعلى علي خامئني، والذي ظهر بعد انتخابات 2009 المتنازع عليها والاضطرابات الداخلية. كان هذا القلق بشأن إمكان نجاح جهود الغرب في قلب نظام الحكم الإيراني عن طريق دعم أحزاب المعارضة وجماعات حقوق الإنسان والحركات الديموقراطية في إيران. علاوة على ذلك، فان الاتفاق لا يعني بالضرورة أن المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون لهما حق الوصول الكامل أو معرفة الانشطة النووية في إيران، فقد بنت إيران رقماً قياسياً من المواقع النووية السرية والتي يتم الكشف عنها كل بضع سنوات، ونتيجة لذلك فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت عمليات التفتيش والتحقيق هذه ستستهدف المواقع النووية كافة، أو إذا كانت طهران تواصل بالفعل تخصيب اليورانيوم بدرجة 20% في العديد من المواقع النووية غير المعلنة، وذلك للحصول على مواد تصلح لتصنيع القنبلة النووية. وعلى صعيد محلي، نجد قلقاً متزايداً من قبل نشطاء حقوق الإنسان والديموقراطيين الإيرانيين، وذلك لاعتقادهم أن هذا الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 مع احتمال المزيد من ذوبان الثلج الديبلوماسي بين إيران والولايات المتحدة، يبشران بتجدد نشاط رجال الدين الحاكمين لقمع قوى المعارضة المحلية من دون أي تحفظ. وعلى الرغم من أن هناك حالياً قدراً كبيراً من الضجيج والاحتفالات والتفاؤل في وسائل الإعلام الإيرانية بسبب تحقيق الخطوة الأولى من الاتفاق، إلا أن الدارسين والسياسيين والمحللين ممن اطلعوا عن قرب على الملف النووي الإيرانى ومفاوضاته التي تمت على مر عقود، يدركون أن المفاوضات السابقة الخاصة بالبرنامج النووي مرت بالمراحل الأولى من الاتفاق مرات عديدة ولكنها لاحقاً تخمد وتتهاوى خلال المراحل التالية، وقد حدث هذا بالأخص عندما كان الاتفاق على وشك الانتهاء وكذلك أنظمة التفتيش والتحقيق على وشك أن يتم انشاؤها. لقد فشلت الاتفاقات السابقة للعديد من الأسباب، ومن أهمها اعتراض إيران على الكثير من أنظمة التفتيش ورفضها إعطاء حق الوصول إلى مواقع نووية معينة، بحجة أنها لا تلتزم بالقانون الإيراني، وكذلك عدم موافقتها على ترجمةِ نص معين أو وضوحِ معنى له كانت تمت الموافقة عليه من قبل. ومع ذلك، فإن هذه الخطوة الأولى من الاتفاق النووي يتم اعتبارها من قبل القادة الإيرانين كانتصار ومؤشر ارتياح كبير، وذلك لأنها ستساعدهم على إحكام قبضتهم محلياً على الاقتصاد المتهالك والاستمرار في تخصيب اليورانيوم، كما أنها تعطيهم كامل الحرية فى تنفيذ مخطط الهيمنة على المنطقة وتعزيز قوة إيران في سورية وقمع الديموقراطيين وقوى المعارضة في الداخل. * باحث وكاتب إيراني