أمير تبوك يعزي أبناء جارالله القحطاني في وفاة والدهم    حقيقة رغبة الهلال في ضم دي بروين    "الحياة الفطرية" تؤكد: جراء الذئاب الرهيبة المعلن عن ولادتها مجرد ذئاب رمادية معدلة وراثيًا    القبض على باكستانيين في جدة لترويجهما كيلوجرامين من مادة (الشبو) المخدر    الإعلام الإيطالي يتحدث عن عرض الهلال لإنزاغي.. وموقف مدرب إنتر ميلان    رئيس مصر يؤكد ضرورة بدء إعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير سكانه    استعدادا للحج.. الداخلية تعلن إجراءات المحافظة على سلامة ضيوف الرحمن    حج 1446 الأخير في فصل الصيف لمدة 16 عاما    تحت رعاية ولي العهد.. انطلاق مؤتمر مبادرة القدرات البشرية غدا    الصحة تدعو للمشاركة في أكبر فعالية مشي تُقام بالمملكة    جمهور الاتحاد يصنع المجد وينافس نفسه!    بتنظيم من وزارة التعليم "زين السعودية" الراعي الرقمي للمعرض الدولي للتعليم (EDGEx)    انطلاق فعاليات معرض الشرق الأوسط للدواجن بنسخته الرابعة الاثنين المقبل بالرياض    الاتحاد الآسيوي لكرة القدم يؤكّد استمرار دعم الاتحادات الوطنية والإقليمية    "المنافذ الجمركية" تسجّل أكثر من 890 حالة ضبط خلال أسبوع    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. جائزة الملك فيصل تكرّم بعد غدٍ الفائزين بها لعام 2025    وفد البرلمان العربي يزور مكتبة البيروني في طشقند    الراجحي يتعرض لحادث في رالي باها الأردن    المؤتمر الصحفي لانطلاق الملتقى العالمي للورد الطائفي    تشكيل النصر المتوقع أمام الرياض    تجمع صحي دولي في أبوظبي يبحث تحديات الصحة العالمية    ضبط (18669) مخالفًا لأنظمة الإقامة والعمل في مناطق المملكة خلال أسبوع    فريق صُنّاع التميز التطوعي ينفذ مبادرة "عساكم من عوّادة" بالتعاون مع جمعية الإعاقة السمعية في جازان    دعوى أمريكية تطعن في عقوبات ترامب على المدعي العام للجنائية الدولية    "فيفا" يطرح تذاكر إضافية لمباريات كأس العالم للأندية في أمريكا    انطلاق فعاليات مؤتمر القصيم الأول لطب الأسرة    البيت الأبيض يعترف بصعوبة التفاوض على صفقات تجارية متعددة    انزلاق طائرة بعد هبوطها واصطدامها بسور مطار فاس في وسط المغرب    اتحاد القدم يختتم دورة المحاضرين في الرياض بحضور 33 محاضراً ومحاضرة    FreeArc سماعات بخطافات للأذن    أمين عام غرفة جازان: تتويج الغرفة بجائزة التميز المؤسسي ثمرة سنوات من التحديات والتطوير    مشامر الجلوات السبع صناعة هندية وطقوس سعودية    هرمون التستوستيرون عند النساء    الجاسر ريادة المعرفة والتنوير في قلب الجزيرة العربية    شركة "لسان الميزان – محامون ومستشارون" تستقبل الدكتور محمد بادغيش في جازان    أمين منطقة القصيم يلتقي مدير مكتب جمعية الوداد الخيرية بالمنطقة    قطاع ومستشفى ظهران الجنوب يُفعّل "التوعية بالقولون العصبي"    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للصحة"    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة وهيئة التراث توقعان مذكرة تفاهم    جامعة الأميرة نورة تمنح حرم خادم الحرمين الأميرة فهدة آل حثلين درجة الدكتوراه الفخرية في المجال الإنساني والأعمال الاجتماعية    مشروع الأمير محمد بن سلمان يُجدّد مسجداً عمره 13 قرنًا    في الخبر.."جوازك إلى العالم" تنطلق بالثقافة السودانية    الحياة الفطرية تُطلق 25 كائنًا فطريًا مهددًا بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    90 دولة تشارك بمهرجان الثقافات والشعوب    محافظ بيش ينقل تعازي سمو أمير منطقة جازان وسمو نائبه لذوي الطالب معاذ شيبة    محافظ الطوال يعزي أسرة المرحوم الشيخ عبدالرحمن بن حسين النجمي    «السمان».. زائر موسمي للشمالية    اعتبرها مراقبون ممارسة لإستراتيجية الضغط قبيل التفاوض.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على إيران    ولادة ظبي رملي بمحمية الأمير محمد بن سلمان    ولادة أول ظبي رملي لموسم ربيع 2025 في السعودية    الصين تنفي إرسال جنود للمشاركة في الحرب بأوكرانيا    الاحتلال يقتحم نابلس موسعا عدوانه بالضفة الغربية    حين يتصدع السقف    مملكة الخير وميلاد قطب جديد    الحسد    سطوة المترهلين في الإدارة    أمير حائل يستقبل رئيس الهيئة العليا للحج والعمرة بجمهورية العراق ووزير الحج والعمرة    النقل الإسعافي يستقبل 5 آلاف بلاغ بالمدينة المنورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقيدان: ما أجمل أن تكون ما تريد وتلقى من تهوى وتنغمس في عملك الخاص
نشر في الحياة يوم 12 - 11 - 2013

البعض تشهد حياته تحولات عدة، وتكون عبارة عن سلسلة من المتغيرات، لا تعرف للثبات طريقاً، والغريب أن هذه الفوضى والعبثية تجد من يعتنقها ويستمتع بها. منصور النقيدان لا نتخيل أننا عندما نجلس إليه الآن أننا نجلس في حال هدوء، ونستمع بإنصات، وهناك ابتسامة لا تفارق محياه، حتى وأنت تختلف معه يشيد بك. كم احتاج منصور النقيدان ليكون هكذا، وكم احتاج لأن ينزع عنه تلك الأغلال وتتلبسه قيود من حرية ونور.
ضيفنا أراد المشيخة يوماً ما، وفاز به البحث والدراسات، وما زالت هناك محطات تنتظر الفوز به، والظفر بما في رأسه.
بين القصيم ودبي له ألف حكاية، زمن الكتب الصفراء للشاشة الكبيرة تغيّرت فيه المشاهد والقراءات عليه، وما زال هو هو باحث عن الحكمة أياً كانت، نحاوره اليوم بعد أن حاورناه قبل أعوام، لنرى هل تغير شيء، نحن نلمس تغيرات كثيرة، لكن هل في ثنايا هذا الحوار سنتلمس هذا التغيير واضحاً، أم أن لا شيء نراه لافتاً في التطور النوعي والكمي له؟
ولدت ليلة العيد، فهل كنت عيد المنذرين لقومك؟
- نعم ولدت ليلة عيد الفطر، وهذا خلاف ما هو مكتوب في بطاقة الأحوال أو في الجواز، لأنني ولدت في بيتنا، وبعد أعوام من دخولي المدرسة، أظنهم استخرجوا لي شهادة الميلاد. في الحقيقة أنا ولدت ليلة العيد، وتوفي والدي في اليوم نفسه، عيد الفطر مساء. بعد 17 عاماً من يوم قدومي إلى هذه الدنيا.
طفولتي كانت سعيدة، وأظن العامل الكبير في تفوقي على الكثير من الصدمات النفسية والمواقف القاسية يعود الفضل فيه إلى تلك الطفولة، التي لا أذكر فيها أياماً سوداً أو ليالي حزينة.
في صورتك التعريفية في موقعك الشخصي وضعت أغصان شجر جافة والنار تأتي عليها، هل كل مرحلة من حياتك تطعمها النار لتغدو رماداً لا يمسك به أحد؟
- في كل تلك المراحل التي مررت بها، وأنا في الحقيقة من القلائل جداً من السعوديين، الذين كشفوا عن مراحل سابقة مروا بها، ومن يكون بمثل هذه الصراحة والصدق مع نفسه وعن نفسه، هو يسعى من كل ذلك لإرضاء نفسه، لتهدئة قلقها، لطمأنتها وبناء سياج مناعة لها عبر التوافق والتصالح مع كل تلك المراحل التي عرفتها.
ثم إن الماضي هو الماضي، لا فائدة ترجى من التعلق به وتكراره، أو الانحباس في لحظته. ويبقى أن أكثر القرارات ألماً هو مواجهة الماضي الأليم، للعبور الآمن إلى المستقبل، وهذا تمر به المجتمعات أيضاً، إذ يجب كشف الماضي والتنقيب فيه، وأحياناً محاكمته، حتى لا تتسمم الأجيال بروائحه وآثاره المدمرة، والحروب الأهلية مثال على ذلك.
من كسر لك البوصلة، وأعطاك عمراً من التيه؟
- أظن أنني اخترت بطواعية وعن قصد كل مرحلة عشتها، لم أسمح يوماً لأحد أياً يكن بأن يتخذ مني مطية لأغراضه أو وسيلة لبلوغ أهدافه، وهي صفة لازمتني منذ سن ال17، وتسببت لي في بعض الألم وكثير من الرضا، ومثلها من العزلة والتفرد، والقليل من الأصدقاء المخلصين، وبعض المعارف الذين أبدو لهم أحياناً صعب الفهم ومزاجياً، ويصعب التنبؤ بخطوته اللاحقة.
ولكن هذه السجية منحتني بحبوحة من الوقت للتأمل والقراءة والانكفاء على الذات، ولإدراك السر الكبير، حقيقة من أكون.
يممت وجهك صوب التيار الديني بخيِلك ورجلِك وقلبك وعقلك، لكنهم أعرضوا عنك ولم يلبسوك ثوب المشيخة، لماذا تاه عنك القبول في رؤيتك الشرعية للسلفية؟
- أنا لا أصلح لهذه الوظيفة، تركيبتي العقلية والنفسية تتأبى على هذا التأطير، في أعوام بعيدة كنت أطمح إلى أن أكون عالم دين وشيخاً يتبع الناس خطواتي، ويلتف من حولي المريدون، وفقيهاً يشار إليه بالبنان، فأنا ليس لدي الاستعداد الذاتي للتمشيخ، ولا الصبر ولا التغاضي، فمثلي لا يناسبه ذلك.
معركة السيف والدريس خاسرة
الماضي الخاص بك هل تتبرأ منه أم تراه تاريخاً للتأمل؟ ولماذا يكره البعض أن نذكّره بمقالات ورؤى قديمة له؟
- كل واحد فينا له في ماضيه نقاط لا يحب أن يذكرها، وانكسارات ومواقف مؤلمة أو مخزية لا يتمنى انكشافها، ولا أن يذكِّره الآخرون بها، لأننا في كل ساعة ويوم نعيد تشكيل فهمنا للعالم من حولنا، حتى تلك المواقف التي حسبت علينا، أو القصص التي كنا أبطالها، والأفكار التي كنا من سدنتها والمخلصين لها، حين كنا نعيش حماستها، ويعمينا التعصب لها.
أنا لا أحب أن يقوم أحدهم بكتابة قائمة بالآراء التي كنت قبل 20 عاماً أو قبل 10 أعوام مؤمناً بها، واليوم أنا على النقيض منها، هذا ما يعنيه كوننا بشراً، أننا نتغير على الدوام.
أنا من الأشخاص الذين يتناولهم البعض باللمز، كيف انسلخت من تاريخ مضى عليه 17 عاماً؟ كيف تحولت إلى النقيض عن أفكار كنت مروجاً لها منذ عقدين؟ كيف يمكن أن أكون اليوم منصور النقيدان بكل حمولة هذا الاسم، بينما كنت في فترة من شبابي قبل 21 عاماً شاباً متطرفاً وعنيفاً؟
أخيراً تابعت نقاشاً أثير حول ممثل السعودية في «يونيسكو» زياد الدريس، يبدو لي أن ثمة شيئاً غير مريح في كل ما أثير حوله، الإطاحة بزياد ليست نصراً، وزياد ليس استثناء، هو أفضل من آخرين يتبوأون مناصب أكثر تأثيراً، وربما هم لا يفوقونه ذكاء، ولا أقل منه حزبية، ولا أكثر ليبرالية.
ولكن علينا كلنا بمن فينا زياد أن نواجه نتائج ما نكتبه، ونتحمل مرارة تذكيرنا بماضينا القريب أو البعيد، ما تفعله علناً يكون ملكاً مشاعاً، وعلى الأخص ما تنشره في الإعلام.
وكما تابعت على «تويتر»، فزياد هذه المرة لم يستثمر ذكاءه وسخريته المعتادة، بدا وكأنه أصيب في مقتل، كان مشوشاً ومرتبكاً. الشجاعة أن تقول: «نعم. كل هذا كان، ولكننا أبناء اليوم ونحن نتغير».
في معرض الرياض للكتاب 2013 التقيت واحداً من أبناء عمي، كان أصدر باسم عائلة النقيدان العام 2004 بيان براءة مني. يوم صدور البيان لم أهتم، ويوم قابلني لم أعرفه لحظتها.
اعتذر عن تلك الخطيئة، كان متوتراً، أخبرني أنه يعيش لحظات تحول كبيرة، ولكنني لم أسمح له بأن يكمل أو يشرح أكثر، قلت له: «لقد نسيت كل شيء، وعليك أن تفعل الشيء نفسه».
أنا لم أسمع عنه منذ ذلك اليوم، وأتمنى له كل خير. وما نراه من محاكمات ونبش في الماضي هو وجه من وجوه عدم المسامحة في مجتمعنا، التشفي والغبطة بإظهار النقص عند الآخرين.
كيف تريد أن يتذكرك الآخرون؟
- لأبنائي وزوجتي وأصدقائي ومن يحبني، فأنا أحب أن يذكروني أباً حنوناً وزوجاً محباً، كان همّه الأكبر أن يعيشوا حياة كريمة راضية، ملؤها السعادة والنجاح والصحة الوافرة وغنى النفس واليد، ولأصدقائي كأفضل إنسان عرفوه نبلاً وشهامة وإخلاصاً.
هل الأفكار تبدأ بكذبة أم صفقة؟
- الأفكار الكبيرة التي تؤثر في المجتمعات وتلهم الأجيال، غالباً ما تكون كشواظ من نار، أحياناً يكون للأسطورة تأثير كبير في توليد الأفكار.
هنا يمكننا أن نتحدث عن كذبة (كذبة بيضا)، ولكن هذا واحد من وجوه الأسطورة، فالخيال الجامح أو المنكسر والمعذب واليائس عامل كبير في ولادة الأسطورة، بعدما تتخشب الأفكار، وتتحول إلى عقيدة أو مشروع ديانة تكون وقتها سلطة، وأداة بيد السلطة، حينها تكون طاولة الصفقات تهيأت.
وأقصد أنه لا يمكن للأفكار أن تبدأ بصفقة ولا بكذبة. الصفقة تأتي تالياً، بعدما يمكننا أن نوظف الأفكار، ونجعل منها سلاحاً أو وسيلة، ولكن في النهاية لا يمكن للأفكار العظيمة أن تلدها كذبة.
ما هو انتصارك الذي جلب لك أسوأ الهزائم؟
- الرجال يحبون أن يتبجحوا بانتصاراتهم، ويتكتموا على الهزائم والعثرات التي تواجههم، أحياناً لكل نصر وجهه الآخر، وللهزيمة والسقوط نعمة مخبوأة في جوفها، ولكن لكل شيء ثمنه، سواء كانت انتصاراتك في ساحة الحرب أم في الحب، أما في عالم الأفكار، فليس هناك انتصار حقيقي يمكن للإنسان أن يتبجح به ويدعيه، وينسب فيه الفضل إلى نفسه.
الحرية الإعلامية أزمة
يقول غازي القصيبي رحمه الله: «الإعلام السعودي صار أكثر تحرراً ولم يصبح أكثر نضجاً» هل تتفق معه؟
- أنا أظن أن الحرية الإعلامية أزمة في حد ذاتها، وأحياناً هي وبال على المجتمعات، إن الحديث الكثير الذي نلته ونعجنه حول الحريات الإعلامية وحرية الوصول إلى المعلومة من أمراض حضارتنا الحديثة.
وقد تتسبب هذه الحريات الإعلامية في انهيار دول وإثارة الاضطرابات واختراق مجتمعات، وقد تتسبب في شراء الذمم، وتدمير قيم المجتمعات التي حافظت على تقاليد كانت سر تماسكها والتحامها قروناً ودهوراً من التاريخ.
ففي النصف الثاني من القرن الماضي، كان ليو شتراوس وهو فيلسوف أميركي من أصل ألماني، أحد أكبر الحكماء الذين عرفتهم البشرية، ومع الأسف أن أفكاره الجريئة التي كان يخص بها طلابه ومريديه لم تلق الاحترام والتقدير الذي يليق بها، على رغم تأثيره العميق في الثقافة السياسية الأميركية، وعلى الأخص جيل ريجان ومن بعده.
وكانت فلسفته تتفق إلى حد كبير مع حكم القدماء، المعلومة تكون كثيرا مضره بالانسجام الاجتماعي وقد تكون وسيلة فتاكة إذا تمكن منها العامة.
إن إشاعة المعلومة هي إحدى أكبر الحماقات التي بلي بها عصرنا، والأدهى أنك لكي تكون عصرياً ومنفتحاً وتحظى بالاحترام عليك أن تردد هذا الغباء.
كيف يمكن للإعلام أن ينضج! إنه مجال صراع وشد وجذب بين المصالح وأصحاب النفوذ حتى في الدول المتقدمة.
ومع أنني واحد من المستفيدين من الأوضاع الحالية للإعلام، إلا أنه في المنظور الأوسع والأبعد، فالإنسانية ازدادت غوغائية، والرعاع في ازدياد نتيجة هذه الحريات الإعلامية.
كيف تقرأ علاقة المثقف بالإعلام، من منهما له الكلمة العليا على الآخر؟
- من يملك المال والسلطة.
تحولاتك الوظيفية أليست محل تساؤلات وعدم فهم لعدم اتساقها؟
- المجال نفسه، النشر والكتابة، من صحيفة، إلى مركز دراسات ودار نشر، كلها قريبة من بعضها، هناك اتساق كبير حد التطابق بين مجالات عملي.
رحلتي مع المسبار
كنت باحثاً قبل المسبار، كيف استطاع المسبار إغراءك والفوز بك؟
- الحقيقة أن الفضل في هذا للمسبار لتركي الدخيل ولعبدالله بجاد، لم يكن هناك إغراء، إذ جاءني العرض أحوج ما كنت إليه، كنت عاطلاً عن العمل، فانتشلني المسبار.
وجود مركز بحث علمي، ألم يصحبه التخوين والتأويل والتشكيك في جهات التمويل؟
- المسبار استطاع أن يكبر ويتجذر، ويحدث تأثيره الكبير في أبناء الجزيرة العربية، في الخليج والوطن العربي، تعرض المركز ومؤسسه وفريق بحثه لكل حملات التشويه والافتراء، حتى قبل انطلاقه.
اليوم مركز المسبار شريك للمؤسسات الحكومية في الخليج، وداعم لها في مواجهة الإرهاب، ورفع الوعي بالتطرف والإرهاب والعنف الذي يعشش في منطقتنا، كما أن قسم الاستشارات في المركز يقدم خدمات راقية للجهات المعنية، الحكومية والمؤسسات الأهلية.
هل ما يشاع بأن المسبار وأفراده وأفكاره تمت سرقتهم من مراكز بحث أخرى بالإغراء بالمال؟
- في هذا الشهر أكون أكملت أعوامي الخمسة في المركز، ونحن في المركز رئيساً ومديراً وتحريراً من نضع الخطط، ونقترح الأفكار والمحاور، ونضع الإطار، ونمارس سحرنا الذي تجد تهاويله في معارض الكتاب وعلى الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
لدينا سر المهنة الذي لا نكشفه للآخرين والمنافسين في السوق. ثمة متشبعون ومدعون ربما يوهمون البعض بأساليب مواربة ولغة رمادية بأن بضاعتهم تم السطو عليها، وهذه أساليب مكشوفة وتافهة. أنت لا يمكنك أن تدعي ما ليس لك، مهما حاول البعض ذلك.
مرة اتصل بي أحدهم وقال لي: «يمكننا أن ننشر لك كتاباً، سيتعاون الجميع لكي يجمعوا مادته ويصدر باسمك إن أحببت، فعلنا ذلك أكثر من مرة». ومع ذلك لم يتمكنوا من مجاراتنا، لأننا روح جديدة، ونعمل خلاف المألوف.
إن أكثر كتب المسبار تأثيراً وانتشاراً وأكثر أنشطتنا تغييراً في الثقافة في السعودية في الخليج ولدت هناك، في تلك المكاتب الصغيرة، الضيقة المزدحمة التي لا يمكنك أن تهمس همسة من دون أن يلتقطها أحدهم، لضيق المكان وسعة الأفق وتلاطم الأفكار الخلاقة.
لم نحش مركزنا بعشرات الباحثين الذين لا حاجة لهم. اكتفينا بنخبة نادرة من أكثر العقول الشابة جرأة وإبداعاً، لا يتجاوزون ال10. من هذه الخلية التي أتشرف بقيادتها منذ أعوام، يدار كل شيء.
تمويل البحوث في المسبار، هل يتم بشفافية مطلقة؟
- نعم. بين الحسابات والإدارة. الشيء الذي يجهله كثير من الذين يكرهون المسباريين هو أن كتابنا الشهري هو جزء من نشاطنا، وليس كل شيء، الدراسات حول الإسلام السياسي.
بعض من عملنا، واشتراكاتنا الشهرية الغالية السعر نسبياً، من أبرز مصادر التمويل للمركز. نحن جهة استشارية محترمة ومرموقة، نقدم خدماتنا للحكومات والمؤسسات.
كانت هذه فكرة تركي الدخيل، بدأناها منذ أكثر من عامين. ليس فقط في مجال دراسات الجماعات الإسلامية والتطرف والإرهاب، بل حتى في الدراسات الإعلامية، والاستشراف السياسي، والاضطرابات الاجتماعية، والمساهمة في حل الأزمات الوطنية، وإيجاد حلول لها.
وخبراؤنا من القارات الخمس، وعملاؤنا في السعودية والإمارات والخليج.
الاخوان والوهابيون
الحرب على الإخوان، هل كان المسبار المشرع القانوني لها؟
- نحن لا نشرع، نحن مسبار يكشف ما حدث وما يحدث وأحياناً نتكهن ونستشرف ما سيقع.
مركز المسبار ماذا تختار من إنتاجاته كي تقرأه لأحفادك؟
- دراستي «وهابيون متصوفون».
ألا تخشى أن ترِديك النيران المسبارية الصديقة ذات يوم قتيلاً؟
- كلنا عرضة للأخطاء والأخطار، أحياناً يزل الواحد منا زلة تقتلعه من مكانه، وأحياناً تكون هناك عثرات تقويك ولا تحطمك، في النهاية أنا جئت خلفاً للصديق عبدالله بجاد، واليوم 90 في المئة من العمل يقوم به الفريق الذي أديره، أنا فقط أتولى إدارة الدفة.
الباحثون هل يشبهون اللاعبين في الانتقال بين المراكز والهيئات؟
- أحياناً. الباحث الممتاز هو عملة نادرة جداً، ولكن الباحث الجيد إذا كان سيلهث على الدوام خلف من يدفع أكثر، لن يتمكن من العطاء في شكل جيد، يكفي الباحث أن يجد التقدير المعنوي والمادي الذي يليق به، من حين يفكر الباحث في الثراء - وأنا أحياناً أقع فريسة هذه الخواطر - يكون قد شطر إبداعه وذهب من عقله ما لا يعود.
الاستقرار مهم للباحثين والمفكرين الذين يعتمدون على وظائفهم. لدينا باحثون جاءتهم فرص وظيفية برواتب أكبر، ولكنهم فضلوا المسبار، لأنه يقيم شأناً كبيراً للجوانب الإنسانية التي تغيب كثيراً عن بعض المؤسسات.
هل كان المسبار لينجح لو كان هناك في المملكة؟
- في الإمارات استطاع المسبار أن يعمل ويكبر ويكون اسماً محترماً لائقاً به، الآن لدينا شركاء محليون وإقليميون، وآخرون دوليون من أوروبا وأميركا، أثبت مركز المسبار عبر أعوام أنه شريك يستحق الثقة والاحترام.
وكانت رسالة الاعتدال التي اتخذها نهجاً له، عبر هذه الأعوام القليلة عدداً الضخمة جداً بأحداثها وتحولاتها. ونحن كلنا في المسبار نقدر لتركي الدخيل حكمته وحصافته وبعد رؤيته، إذ استطاع أن يعبر بنا إلى بر الأمان. الأعوام الثلاثة الماضية كانت تحدياً كبيراً، استطاع المسبار أن يجتاز مصاعبه ويتفوق فيه.
على غرار لم ينجح أحد... لم يبق أحد... ما الذي وجدته في الإمارات الشقيقة؟
- الكثير مما لا يمكنني حصره هنا. هنا تجد الأمن والاستقرار. في الإمارات طاقة إيجابية هائلة، الكثير من الحب، والأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل، والكرامة للإنسان من أي جنسية وعرق وديانة، وليس للمواطن من دون غيره، هنا يمكنك أن تكون ما تريد، وتلقى من تهوى، وتلبس ما ترغب، وتصلي متى شئت، وتنغمس في عالمك الخاص متى ما أحببت.
الإمارات تتفوق على دول أوروبية، وكما نرى، تعيش دول كثيرة خريفها وشتاءها وليلها المظلم بعد أوهام خادعة بربيع عربي. الإمارات لا تزال تعيش أزهى حالاتها، وتنعم بربيعها الذي دشنه الشيخ زايد منذ 42 عاماً ومازال. أدام الله على هذا البلد الأمان والاستقرار والازدهار.
أيهما أهم لدى منصور النقيدان.. الحرية الحقوقية، أم الخبرة الوطنية؟
- كلتاهما من أسس الحضارة والمدنية وازدهار المجتمعات البشرية. نادراً ما يتوافر الرفاه مفصولاً عن العدالة والقانون. الحرية الحقوقية أصبحت مطية يتعلق بها حتى أعداء الحرية. البشرية عاشت آلاف الأعوام وتطورت وتحضرت وبلغت أوج المدنية من دون توافر ما يتوهمه اليوم بعض الناشطين المهووسين عن الحرية الحقوقية.
لو أصبحت داعية في عصر آخر، كيف ستشرح للمسلم الجديد الفرق بين الإسلام والأحزاب الإسلامية، فضلاً عن المذهبية الدينية؟
- سأشرح له حقيقة ما جرى، القصة كلها. الحقيقة أن الإسلام هو المسلمون، تأويل الإسلام لا يمكن أن يكون في المجرد في المطلق، بل في الواقع والتجسد والتجربة، المذهبية الدينية والأحزاب الإسلامية هي شيء من الإسلام، تماماً كما أن كل الإسلامات التي نجد نماذجها من إندونيسيا إلى المغرب هي تعبير عن الإسلام وسعي إلى تطبيقه.
لا يمكن أن يكون الإسلام هو فقط ما نتوهمه في أذهاننا أو نتصوره نظرياً.
الفتنة والهجرة
أي فتنة ترى أنها إن حلت بدارك ستهاجر من فورك عن بلاد العرب؟
- أنا سأعيش هنا وسأموت هنا، ليست عندي نية ولا تفكير ولا خطة للهجرة والهرب. إذا سقطت مدافعاً عن السعودية أو الإمارات - لا قدر الله أن يحدث سوء لهما - فهو شرف عظيم أطمح إليه.
إذا أصيب الناس بالمجاعة أو الوباء، فأنا واحد منهم، أعيش مثلهم وأشاركهم المعاناة وأقاسمهم اللقمة. من حين أجريت اختبار الحمض النووي، اكتشفت قصة عجيبة، خلاصتها أنني سأبقى وفياً ل12 ألف عام تصرمت من تاريخ أجدادي في هذه الجزيرة.
تطوف حولك عاصفة في نقد آرائك، أي وتر حساس ضربته في خصومك ليصّعد الخلاف والقتال ضدك هكذا؟
- الصدق في سرد التاريخ وتوصيف الحاضر. أنا صادق دائماً، في هذه المسألة، وهذا ما يكرهه الذين يحاربون ما أكتبه، إضافة إلى الصراحة والوضوح في وصف القبح والبشاعة. تعرف أنني حكواتي وقصاص جيد.
أي الكتب أثمرت لك التفاحة؟ أي الأوراق منحتك الجاذبية العقلية الثابتة؟
- قصة الحضارة لويل ديورانت.
في تاريخنا الإسلامي أقبية كثيرة ومفاتيح ضائعة، لكن الأشد وضوحاً اغتيال الفن والموسيقى، كيف همشوا الفن في حضارة المسلمين وأصبح الإسلام الآن خلواً من كل رسم ووسم؟
- في معظم بلاد المسلمين الفن والموسيقى تجد مكانهما اللائق بهما، الاستثناء هو في السعودية وعند طالبان. السعودية أفضل قليلاً، نحارب الفنانين، ولكن لدينا فنانين مبدعين، وموسيقى، ولكنها محرمة، نغني ولكننا نحرم غناءنا.
لو طلب منك إعطاء سلمان العودة وصف مفكر أم شيخ، أيهما أقرب إليه؟
- هو تاجر مهووس بأن ينادى بسمو الأمير، ووجد القطيع الذي يبحث عنه، ويمكنه أن يمتطيهم ويضع اللجام في أشداقهم، يمارس عليهم حيله، ويكذب عليهم، وهم في ذروة النشوة والغبطة، حتى في تكلفه الزهد أو التواضع يمكنك ملاحظة شيء ما غير طبيعي، هناك رائحة كريهة.
أبو ذر وفرسان الهيكل
هل يمنحك تفردك الفكري شيئاً قريباً من أبي ذر الغفاري، فنراك علمانياً تستشهد بآيات القرآن كل حين؟ أين تطأ أرضك؟
-الاستشهاد بآيات القرآن ليس خطيئة، حتى لشخص تراه في نظرك علمانياً، أو يقدم نفسه على هذا الأساس، قد يكون الواحد علمانياً ولكنه مسلم، ليس ملحداً ولا زنديقاً ولا عدواً لكل متدين. هذا خلل في الفهم.
أبو ذر الغفاري كان يمكنه أن يلوذ بالصمت، ويحافظ على علاقة جيدة مع عثمان ومع غيره من أصحاب السلطة. أبو ذر كان يحتسب على الأمراء والخليفة، لم يكن راضياً بالتحول الكبير الذي طرأ على المجتمع.
أنا راضٍ بالسلطة ولست خصماً لها، وليست عندي مشكلة مع كل ما ومن حولي، وليست عندي نية لأحتسب على أحد.
من الذي تراه طوق نجاة مجتمعنا بعيداً عن فرسان الهيكل أصحاب العقول المغلقة؟
- العدالة والقضاء على الطائفية والانفتاح الديني. في ظل ثورات الربيع العربي غاب سؤال الحريات الفكرية والاجتماعية، في المجتمعات ذات الثقافة الدينية المتشددة، يكون الميل نحو التطرف هو الخيار، والضيق بالآخر، وكراهيته والسعي للقضاء عليه، وفي البيئات المتطرفة يكون الإرهاب والعنف وجد المناخ والبيئة الأكثر نجاعة.
هنا في سؤال الحريات، يمكننا أن نجد الإجابة عن هذا السؤال الكبير. في المجتمعات التي تقيم حد الردة، أو تدعو إليه، وتحارب الفلسفة وتدريسها، وتقتل غير المسلم وتسفك دمه، لأنه لا يتبع طائفتها، في مثل هذه البيئة يترعرع التطرف ويشتد عوده، ويجند حشوده، ويجعل من العنف وسيلته وهدفه وغايته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.