الكلمة لديه ورقة مرور، لا يقف من خلالها أمام الحدود، ولا يحتاج بعدها إلى ختم على جواز السفر،اكتسب ثقافته حين كان يتسلل إلى كواليس المسرح والسينما في الكويت، الذين يدين لهما بكتابة روايته «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان». محمد الرطيان يعترف بأنه متفائل بإشارات تدلل على التغيير، لأننا أصبحنا أخيراً من أكثر الشعوب صناعة للنكتة اللاذعة، يؤمن جداً بالحرية التي تولد معنا، ولكنه يجب علينا أن نحافظ عليها، وألا نبيعها في أقرب مزاد...فإلى تفاصيل الحوار. طفولة الكويت هل شكّلت محمد الرطيان؟ وهل كانت المسافات شاسعة بين الكويت ورفحاء؟ - إذا كانت السعودية هي الأم الأغلى التي لا شبيه لها بين النساء، فالكويت هي الأم المرضعة التي قدمت أول الحليب لي، وعلّمتني حاء راء ياء هاء أبجدية الحرية. وأظنني كنت ولداً محظوظاً، لأنني رزقت بهاتين الوالدتين الرائعتين، محظوظاً على المستوى الإنساني والثقافي والاجتماعي. التنوع الثقافي في أماكن نشأتك، هل أسهم في ثرائك الثقافي؟ - أن تعيش في مكانين مختلفين، فهذا فيه الكثير من الثراء، ليس على المستوى الثقافي فقط، بل على كل المستويات. بين المناخ والتضاريس، أين تصاغ الهويات؟ - الهوية سؤال شائك وكبير، ليست الجغرافيا وحدها – بمناخها وتضاريسها - هي من يمكنها أن تُشكّله، التاريخ له دوره. إيمانك بفكرة - بمذهب له دوره كذلك. «الهويات الصغيرة» تبرز أحياناً لتربك المشهد، وتجعل السؤال شائكاً أكثر! العالم الآن أراه يعيش بين نقيضين عظيمين: ما بين «هوية» عالميّة خلقتها العولمة، حتى تكادين تشعرين بأن أحدهم سيُعرف بنفسه لك بأنه «أرضيّ»، حتى لا تظني أنه من سكان المريخ! وعلى النقيض جماعات انزوت - ولجأت - إلى الهويات الصغرى: طائفة/ قبيلة/ مدينة صغيرة، بالنسبة لي: كنت - وما زلت - وسأظل أعرف أن هويتي الأولى «عربي»، ولن يربكني الضجيج عنها! الكتابة الساخرة هل هي الأسهل في عالم صعب؟ - كثيرون بإمكانهم دفعك إلى البكاء. ولكنهم قلة الذين يجعلونك تبتسمين. الكتابة الساخرة بهذا الشكل: تجعلك تبتسمين حتى في وجه المأساة! ومع هذا هي – أحياناً – أكثر عمقاً من الكتابة الجادة، وتصل بسهولة إلى مكامن الخلل، وتبني علاقة رائعة مع القارئ. هل تجد أننا شعب يتقن صناعة الفرح؟ - أعوذ بالله! نحن الذين ابتكرنا عبارة «الله يستر من تالي هالضحكات»، كأننا نخاف من الفرح! ونحن الذين نظن أنه كلما تجهمنا أكثر أصبحنا أكثر قيمة، ومع هذا فأنا متفائل بأن هناك تغييراً كبيراً يحدث. في الفترة الأخيرة أصبحنا من أكثر الشعوب صناعة للنكتة اللاذعة. ما إن يحدث حدث ما أو يصدر قرار ما إلا لحظات والجوال ينقل لك «نكتة» طازجة وطريفة حول هذا الأمر. وأنا أبتهج لهذه النكتة لسببين: الأول أن هناك رأياً عاماً يتشكل، ويقول رأيه تجاه ما يحدث – بحسب الوسائل المتاحة – والثاني أنه يقول رأيه وهو يبتسم! العجيب أننا في «الواقع» شيء وفي العالم «الافتراضي: إنترنت جوال» شيء آخر مختلف! هل تظنين أننا مصابون بشكل جديد من أشكال الانفصام لم يحدد العلماء حتى الآن ملامحه؟ حرية الكلمة هل هي مفردة وجدت لها مكاناً في حياتنا؟ - الحرية تنبع من الداخل – مثل الشرف وأشياء أخرى – ولا تأتي من الخارج. أحد أعظم الرجال الذين أنجبتهم البشرية – عمر بن الخطاب رضي الله عنه – كتب أول ميثاق لحقوق الإنسان عندما أطلق عبارته الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً». إذاً «الحرية» تولد معنا، وعلينا أن نتعلم كيف نحافظ عليها، وألا نبيعها في أقرب مزاد! تنقلت بين المقال والشعر الشعبي والرواية، أين وجدت نفسك أكثر؟ - أنا اكتب «النص» ولا يعنيني بعدها إلى أي شكل كتابي سينتمي. أكتبه بأمانة وجهد حقيقي لكي يكون مدهشاً وجديداً وممتعاً للقارئ. الكتابة فن وأول شروط الفن أن يكون ممتعاً ومدهشاً وفي ما أكتبه أظن أنني بنيت علاقة رائعة مع القارئ يفهمني أحياناً قبل أن أكمل ما أريد أن أقوله، وأحياناً «ألمح» له فيفهم تلميحي ونتجاوز – أنا وهو – الرقيب ببراعة. لم يسبق لي أن قمت بخيانة هذا القارئ، ولم أعرضه للبيع في مزاد تفاوضي، لهذا حتى عندما يختلف معي فهو يختلف بمحبة. هذا القارئ يعنيني أكثر من أسئلتك وأكثر من عين الناقد. مفردتك مرهقة بفتح الهاء أم بكسرها؟ - لا هذه ولا تلك أكتب ببساطة وأصل للقارئ ببساطة. لا أحب «اللف والدوران» في الكتابة، ولا «الفذلكة»، ولا الاستعراض، أحب الإيجاز. وأحب أن أقول الكثير من الأشياء عبر القليل من الكلمات. كثرة الكبسولات في مفردتك هل هي دواء لكل صداع مزمن؟ - لي عبارة تقول: الكتابة ليست حبة إسبرين، الكتابة جراحة جميلة! هل أثر في تكوين مراهقتك تسللك في مسارح الكويت ودور السينما فيها؟ - بالتأكيد المسرح والسينما من المنابر الثقافية المهمة، وكل عمل فني أو إبداعي شاهدته أو سمعته أو قرأته هو الذي شكلني بهذا الشكل. على سبيل المثال: زياد الرحباني اثر في أكثر مما فعلت عشرات الكتب. لو لم أعرف السينما أو المسرح لما استطعت أن اكتب روايتي «ما تبقى من أوراق محمد الوطبان». وكذلك الكثير من النصوص والمقالات الأخرى، قبل أيام كنت أقول لأحد الأصدقاء: لا تكتفي بالقراءة. المعرفة ليست في الكتب فقط. والعالم مليء بالأشياء الرائعة والمدهشة. اقرأ واسمع وشاهد ودع كل حواسك تقرأ هذا العالم. وكنت – على رغم انحيازي لريال مدريد – أدعوه لمتابعة مباريات برشلونة، ليرى كيف يمرر أنيستا وتشافي الكرات لميسي لعله يتعلم كيف يمرر الأفكار مثلهم ويسجل الأهداف من دون أن يرفع الرقيب في وجهه راية التسلل! لماذا يلجأ النقاد إلى لجم المبدعين البسطاء، هل العملية استعراضية؟ - «لجم» معقول؟ أنا بالنسبة لي لا أهتم كثيراً. لماذا لم نجد «الرطيان» رئيساً لناد أدبي؟ وهل تتخطاك هذه المناصب؟ - ولماذا يكون «الرطيان» رئيساً؟ من أجل أن يُقال لي «الرئيس»! وما هي المؤهلات الإدارية التي امتلكها وتمنحني هذا الحق؟ على العموم المناصب قيود وأنا لا أحبها. يراك البعض مشروعاً تخريبياً ترى من أزعجت؟ - إذا كان مشروعاً تخريبياً للقبح فلا بأس، لأكن المخرب الأول أيضاً! هناك من يساوم على أن دور المثقف الحقيقي هو تنوير المجتمع بعاهاته المستديمة وكشف ما هو مستور عنه، ما رأيك؟ - أي «عاهات» تقصدين؟ العاهات اليومية، أم العاهات المزمنة التي توارثناها منذ مئات السنين وحافظنا عليها كأنها تراث مهم؟ أظن أن العاهة الأكبر والأخطر هي «العقل» الذي لا ينتبه لتلك لعاهات ولا ينتقدها، وأحياناً – من دون شعور منه – يحتفي بها! علينا عبر الكتابة أن نستفز هذا «العقل»، وألا نكتفي بنقد الأشياء اليومية، بل بنقد العقل والنظام الاجتماعي والسياسي الذي أنتجها. علينا عبر الكتابة أن نفتح «النافذة» للقارئ ليرى المشهد، لا أن نكتفي برسم «المشهد» له كما نراه نحن. أما بخصوص «المثقف الحقيقي»، فطالما أنه يحمل هذه الصفة فهو «مشروع» وحده لا يخضع لأية مؤسسة. بل هو – بحد ذاته – مؤسسة مهمة، بهذه الصفة عليه ألا يخضع لأي «سلطة» وألا يقبل أي شكل من أشكال المساومة. إيقاف كاتب، عدم فسح كتاب، منع من النشر، هل لهذه العبارات تأثير يذكر الآن؟ - (إيقاف كاتب)، (عدم فسح كتاب)، (منع من النشر)، العبارات السابقة تؤكد أن العالم العربي لم يدخل – حتى هذه اللحظة – إلى الألفية الثالثة، وأن المسؤولين عن الإعلام لا يعلمون أنه بإمكان ولد مراهق – وخلال ساعات – نشر كل ما هو ممنوع عبر الانترنت، وأنني بإمكاني نشر كتاب كامل عبر رسالة جوال. وجود مثل هذه الإجراءات في هذا الوقت يدل على أنهم يعيشون خارج الزمن! كثيرة هي الأيام الثقافية التي تشارك فيها المملكة، ولكن لم نصافحك في أحدها؟ - هذه ليست بحاجة إلى ثقافة وحضور، هذه تحتاج لأن تكون مبدعاً في «العلاقات العامة»، وأنا بصراحة سيئ في هذا المجال، كما أنني أعيش بعيداً عن المدن الكبرى والشلل الثقافية الذين يحددون أسماء المشاركين والمرضّي عنهم، أنا لا أحفظ أسماء المسؤولين في وزارة الثقافة والإعلام. بالكاد أحفظ اسم الوزير! الثقافة تحت مظلة حكومية أليست أول التيه؟ - الثقافة فعل حر لا علاقة له بأي مؤسسة أو تنظيم أو جماعة مؤدلجة. مثقف حكومي لماذا انتشر هذا الوصف بيننا؟ - لا يوجد شيء اسمه «مثقف حكومي» هذه جملة فيها تضاد عجيب وغير منطقي! وإذا كان هناك كائن يحمل هذه الصفة، فعليك أن تبحثي له عن صفة أخرى أكثر دقة! على رغم تشدقنا بالإسلام والقرآن، إلا أن مصائب مجتمعنا لا تعد ولا تحصى أين الخلل؟ - الخلل في اختلاف القراءات. وعندما تكون النتائج على الأرض سيئة، فاعلمي أن القراءة السائدة فيها خلل ما! الإسلام نظام عظيم، والقرآن الكريم أطهر وأشرف وأعظم الكتب. الخلل هو في الفهم، وفي العقل الذي أنتج هذا الفهم، وفي القوة التي تبارك النتيجة. هل حقاً أن أجمل ما يكتبه الشاعر حين يكون محملاً بالحزن؟ - هذه كذبة يروّجها الناس الكئيبون! هل الإعلام يتجاهلك، أم أنك من يتجاهله؟ - أنا لا أتجاهله أنا جزء منه، ولا أظنه يتجاهلني وإن فعل فهو أحمق!