«من فيض».. من دواخل الأسماء التي يستضيفها هذا الفضاء، نحاول مقاربة جوانب مخزونها الثقافي والمعرفي، واستكناه بواطنها لتمطر، ثم تقديمها إلى الناس، مصطحبين تجاربهم، ذكرياتهم، ورؤاهم في الحياة ومن حولهم، وذلك على شاكلة أسئلة قصيرة وخفيفة في آن. وهنا لا يكشف الكاتب الأنيق والصارم عبدالله بن بجاد عن كل أسراره، ولكنه يفصح عن كوامن عشقه وملامح صدقه.. مستعيدا بعض الحنين والقليل من الذكرى، لأن رهانه الحقيقي على المستقبل والوعي والفردانية المؤمنة بحق الإنسان في المعرفة. • دعنا نبدأ من النهاية .. أين أنت الآن، فكريا .. وثقافيا؟ أنا كاتب وباحث عن المعرفة والحقيقة، مؤمن بوعي الإنسان حين يكون حرا، وبرأيه حين يكون مستقلا، وبحقه في الفردانية التي تمنحه كل هذا، وأن قناعات الإنسان الفكرية والثقافية له فيها الحق المطلق في الاعتناق وتاليا التعبير. • الطفولة هي تراب البدايات، ماذا تبقى في الذاكرة من ذكريات الأمس؟ تبقى الكثير، فالذكريات هي تاريخ الفرد، وهي كنزه الدائم معه، معلما ومرشدا وقائدا، فلولا الذكرى لكنا نبتا منبتا، ولولا التاريخ لكنا غصنا بلا شجرة، فذكرياتنا بإصاباتها وأخطائها هي معلمنا الأول ومرشدنا الأحكم، والإنسان بلا ذكرى هو إنسان بلا معنى. أما الطفولة فهي مرحلة عمرية مررت بها كغيري، ولم أزل أحتفظ لنفسي بأطيب أيامها وأجمل لحظاتها، وأنا أحاول أن أحتفظ بها دائما، فكما قال بعض الفلاسفة، الفيلسوف هو طفل لم يفقد دهشته من العالم، وبالتأكيد لست فيلسوفا، ولكنني أحب التأمل والتفكير باستقلال في كل شأن أطرقه وأكتب عنه. • اقتحمت المدينة من أوسع أبوابها وأفسح شوارعها ولكن بقايا القرية لا زالت تسكنك فهل لازلت وخيالها؟ دخلت المدينة نعم، ولكنني لم أقتحمها، وتطورت من القرية للمدينة، وهذا شأن الأكثرية، فمن منا لم يعش القرية بتفاصيلها وسكونها!، ومن منا لم ينتقل لعنفوان المدينة وتحدياتها!، وبعض نظريات العلم الحديث تخبرنا أن الذكرى لا تنمحي، ولكن سبيل العقل إليها قد يضعف أو ينقطع، وأنا قد انتقلت طفلا من قرية مصدة التي أحببت إلى مدينة الرياض التي عشقت. • تقرأ إلى ما لا نهاية .. حتى تستطيع أن تقول لقد قرأت الآن؟ القراءة في عالمنا العربي تعيسة والإحصائيات الدولية تحدثنا بالعجب في هذا المجال، أما عني أنا فأنا أحب القراءة فعلا، وأسعى للاستفادة من كل حرف أقرأه، تعلمت مع الوقت ألا أقرأ لكاتب واحد في موضوع معين، ولكن أن أقرأ لعدد من الكتاب في ذات الموضوع، حتى أستطيع أن أكون رؤية خاصة بي في كل ما قرأت، أما أن أقرأ إلى ما لا نهاية حتى أستطيع أن أقول لقد قرأت الآن، فأنا لم أفهم السؤال!. • المرأة تغيب في كتابتك إلا عند الموقف، هل فقدت عاطفتك نحوها، أم أنها عاطفة خارج الكتابة؟ نعم، تغيب المرأة عن كتابتي إن لم يكن ثمة موقف أو فكرة للتحدث عنها، أما حين يكون الموقف وحين تكون الفكرة فأنا أكتب عنها، ومقالاتي خير شاهد، والمرأة لم تخرج من حياتي قط، فهي أمي التي أحب أكثر من كل شيء، وأرجو أن أنال رضاها في كل أحوالي، وهي أختي وقريبتي وصديقتي، وتبقى الزوجة التي لم أتحدث عنها لأنني لم أجرب بعد. • المثقف كائن متحول، هل لذلك الحال أشرفت على بعض الأعمال الدرامية؟ لا أدري ما هي العلاقة بين التحول لدى الإنسان بكونه إنسانا وهو أمر طبيعي، وبين الأعمال الدرامية، ولا أدري ما وجه الربط بين المثقف من حيث كونه مثقفا وبين الإشراف على الأعمال الدرامية، فالمثقف قد يكون مثقفا ملتزما طول حياته، وقد يكون متحولا متغيرا متطورا بحسب ما يجد له من معرفة وتجربة وحال، فمفهوم الثقافة مفهوم كبير وقابل بطبيعته للتمدد، وهو يشمل أصنافا شتى وطرائق قددا، والأعمال الدرامية التي شاركت فيها هي وسيلة أوسع انتشارا للتعبير عما أنا مقتنع به من الأساس. • وما دمت قاربت الدراما .. كيف ترى الدراما كمعادل للحياة، المتخيل في مواجهة الحقيقة؟ الدراما عالم مختلف، له أسسه وأدواته ووسائله، ومشكلتنا دائما أننا نحاكمه لغير منطقه، ونتعامل معه كهامش على متن الواقع، في حين أنه متن بحد ذاته، له أصوله ومنطقه المختلف عما نريد ونرغب، أو ما نكره ونستبعد. • المحارب من الداخل .. هل هذا هو أنت عندما تكتب عن الجماعات المتشددة؟ سؤال غريب، لا أدري ما المقصود به؟ فإن كنت تقصد أنني محارب من داخل هذه الجماعات فأنت لم تقرأ حرفا مما كتبت، وإن كنت تقصد أنني أحاربها بكل الوسائل والسبل والأفكار فأنت على حقٍ، ولكن العبارة خانتك. • تميل إلى السجالية، ولكنك تبعد عن المباشرة، هل تمارس هذا الفعل إراديا، أم هو أسلوب كتابة؟ أنا كاتب مباشر فيما أطرح، ومقالاتي شاهد لي أو عليّ، والنقد والحوار قيمتان أساسيتان للتطور والتغيير النافع، أما السجالية فإن كنت تقصد بها أنني أدافع عن آرائي فنعم، وإن كنت تقصد بها أنني أحب السجال للسجال فلا. • هناك عدة نقاط تحول، ما هي النقطة أو المحطة الأكثر تحولا في حياتك؟ النقطة الأهم والمحطة الأكثر تحولا في حياتي هي انتقالي لدبي. • الحب مكابدة، والإعجاب وله، أين أنت من الحب والإعجاب؟ الحب شيء والإعجاب شيء آخر، فالحب عاطفة كبرى، والإعجاب عاطفة صغرى، ولكل منهما مكانة، وفي الحالتين يجب أن يكون العقل مشاركا وحاكما، فالحب بلا عقل حالة من الجموح، والإعجاب بلا عقل حالة من العته. • الإنسان ابن بيئتين حياته ومكتبه، ما هي البيئة الأكثر تأثيرا عليك؟ لم يسعفني عقلي لفهم التقابل بين الحياة والمكتب، فالمكتب جزء من الحياة مثله مثل البيت والمدرسة، وهذه وغيرها تشكل البيئة التي يعيش فيها الإنسان. • هل التكفير في مواجهة التفكير .. ثقافة عربية راهنة؟ نعم، فلدينا التكفير ذو تأثير قوي وتراث غزير، وسيطرة مهيمنة، بعكس التفكير الذي كان له في تراثنا تأثير أقوى، وانتشار أوسع، ولكن الحال انقلب اليوم، فلدينا أصناف من التكفير، التكفير بالجملة والتكفير بالمفرق والتكفير بالكلمة والتكفير بالفعل، وأنواع لا تحصى من التكفير، في حين يعاني التفكير لدينا من شحٍ وجدبٍ إلا ما رحم ربك. • الرواية هي الفن الأكثر رواجا.. هل أنت قريب من عالم الرواية وعالم الروائيين؟ شيئا ما، فالروايات جزء من الكتب التي أقرأ، فأستمتع ببعضها وأستفيد من بعضها، ولكنني لا أصنف نفسي قريبا من عالم الرواية والروائيين. • ما هي القضية الأكثر مرارة في الحياة، وما هو الوجه الأشد جمالا في حياتك؟ لست أدري، فلكل مرارةٍ حجمها لدى صاحبها، وأصناف المرارات مختلفة، وتأثيرها على الفرد مختلف من شخصٍ لآخر، أما الجمال في الحياة فهو الحياة بحد ذاتها بكل ما تكتنفه وكل ما تؤدي إليه. كن جميلا ترى الوجود جميلا • الكتاب يملأون الأرض، والكتابة تفترش السماء، من هو كاتبك وكتابك الأعز؟ لا يهمني من يملأون الأرض، ولا تهمني من تفترش السماء، وإنما يهمني كاتب يضيف إلي جديدا ويفتح أمامي أفقا، وكتابي الأعز هو الذي لم أقرأه بعد ولم أستفد منه حتى الآن. • خمس رسائل.. لمن يوجهها عبد الله بجاد؟ الرسالة الأولى سياسية خارجية: بإمكاننا أكثر مما كان بكثير. الرسالة الثانية سياسية داخلية: لا ينفع إتلاف العلب وترك المكينة. الرسالة الثالثة ثقافية: قل ما شئت واترك الآخر يختلف معك, الرسالة الرابعة تعليمية: صناعة الأجيال لا تترك للاجتهادات المؤدلجة. الرسالة الخامسة إنسانية: لا وصاية لأحدٍ على أحدٍ، دع الخلق للخالق، واجهتد فيما تحسن. • خمس شخصيات ثقافية توجه لها رسائل؟ محمد عابد الجابري: نفتقدك بعد الرحيل. جورج طرابيشي: تعلمنا منك عمليا أن النقد قد يكون بناء كبيرا ومشروعا ضخما. عبدالمجيد الشرفي: أتمنى أن نرى لكتاباتك انتشارا أكبر في المشرق العربي. فؤاد زكريا: عشت كبيرا ومت كبيرا. عبدالله العروي: أتمنى أن تستمر في التأليف على نسق «السنة والإصلاح». عبدالله بن بجاد العتيبي • تاريخ الميلاد: 1391ه الموافق1971م • مكان الميلاد: السعودية. • التخصص: باحث وكاتب. • الكتابة الصحافية: * كتب في عدد من الصحف العربية كالحياة والشرق الأوسط والوطن السعودية وغيرها. * كتب لسنوات مقالا أسبوعيا كان ينشر بالتزامن في صحيفتي الرياض السعودية والاتحاد الإماراتية. * يكتب منذ سنوات مقالا أسبوعيا في صحيفتي «عكاظ» السعودية والاتحاد الإماراتية، ويكتب زاوية خاصة في صحيفة «عكاظ» تنشر كل خميس تحت عنوان «ملح الكلام». الأبحاث والدراسات: *«القابلية للعنف والقيم البدوية»، بحث نشر على خمس حلقات في صحيفة الاتحاد. * نشر عددا من البحوث في إصدارات كتاب «المسبار» الشهري منها: * السرورية (المسبار). * الولاء والبراء: إيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام (المسبار). * الإخوان المسلمون في السعودية: الهجرة والعلاقة (المسبار). • البرامج الإعلامية: * عمل برنامجا وثائقيا تحت اسم «التيارات الدينية في السعودية» وتم بثه على قناة العربية في جزءين. * أسس برنامج صناعة الموت الذي يبث على قناة العربية، وعمل مشرفا عاما له لمدة ثلاث سنوات. * شارك في العديد من اللقاءات والحوارات الصحافية والإذاعية والفضائية. * شارك في العديد من المؤتمرات والمنتديات الثقافية. • الأعمال الدرامية: * كان مشرفا ومدققا للخط الديني في مسلسل «الحور العين» الذي عرض عام 2005، وكان يعرض لموضوع الإرهاب في السعودية. * راجع نصوص مسلسل «الطريق الوعر» الذي عرض عام 2005، وكان يعرض لموضوع الأفغان العرب بعد عودتهم لبلدانهم. * كان مشرفا عاما على مسلسل «دعاة على أبواب جهنم» الذي عرض عام 2006، وكان يعرض للخلايا الإرهابية في العالم، ويسلط الضوء على كل ما يتعلق بتفاصيلها الداخلية وعلاقاتها الخارجية وأفكارها. * كتب عددا من الحلقات للمسلسل السعودي الشهير «طاش ما طاش»، منها حلقة «سلطة الجماهير»، «مجاهد الكيبورد»، و«إرهاب أكاديمي» وغيرها. • الأعمال الحالية: * شارك في تأسيس مركز المسبار للدراسات والبحوث ومقره دبي، ويعمل مديرا عاما له منذ إنشائه عام 2005. * مستشار في مجموعة الإم بي سي. * كاتب صحافي في صحيفتي «عكاظ» السعودية والاتحاد الإماراتية.