الفكرة التي عبّر عنها الحلاق الجار العجوز في حديثه مع صديقه الصحافي أمس كانت فكرة «جديدة من نوعها» وفق وصفه... وهو أكد أنها «لمعت» في ذهنه بعدما أمضى أياماً أمام شاشته التلفزيونية يراقب جملة من السياسيين العرب واللبنانيين، بخاصة وهم يخطبون أو يدلون بتصريحات أو يشاركون في برامج حوارية. كانت النتيجة بعد رصد تواصل أسبوعاً، في رأي الحلاق العجوز، أنهم «جميعاً يكذبون» و«هم يكذبون من دون أن يرف لهم جفن» و«من دون أن يبالوا بما إذا كان المشاهدون يصدقونهم» كما أكد صاحبنا... ولكن، استطرد قائلاً: «هل تراهم مرّ عليهم يوم في حياتهم من دون أن يكذبوا؟». وإذ قال الجار هذا مبتسماً ومشمئزاً في الوقت نفسه، فوجد الصحافي نفسه يجاريه في ابتسامته وتأكيداته، التفت بغتة إلى الأخير وسأله: «لعلك تريد أن تسألني ما الجديد في الأمر إذاً...». حسناً، قال الشاب، ما الجديد في الأمر إذاً؟ «الجديد هو أنني قررت تشكيل لجنة من المجتمع المدني تدور على المحطات التلفزيونية المحلية وتراسل تلك العربية وربما العالمية أيضاً، ناقلة إليها عريضة أقوم الآن بصياغتها وسأجمع ألوف التواقيع عليها. و«العريضة ستكون في منتهى الوضوح والبساطة»، استطرد الحلاق قائلاً: «ستقتصر على مطالبة المحطات بالتوقف عن إجراء أي حديث أو نقل أي تصريح أو خطاب مع أو لأي سياسي أو شبه سياسيّ أو لأي واحد من أزلام السياسيين وغلمانهم يثبت أنه كذب عبر الشاشة ثلاث مرات متتالية... فما رأيك؟» اختتم الحلاق كلامه وهو ينظر في عيني جاره بتحدٍّ واستفزاز. «فكرة جميلة...» قال الصحافي بهدوء، «ولكن، هل تعتقد حقاً أن المحطات ستستجيب للعريضة وللمطلب الوارد فيها؟». «ربما، قال الحلاق... فإذا لم تستجب، فلن يكون ثمة ما هو أسهل من فضحها وإعلام الناس جميعاً بأنها إما تخشى غضب أولئك «السياسيين» وإما متواطئة معهم... أو حتى مدفوعة الأجر منهم سلفاً... وفي هذه الحالات كلها سيكون الرأي العام قد فهم، على الأقل «السر» الكامن خلف كل هذا الحضور الثرثار لأناس أقل ما يمكن أن يقال عن حضورهم على الشاشة إنه، بمقدار ما هو منافٍ للوطنية، يتنافى مع الحسّ السليم والذوق العام ورغبة الناس في العيش بأمان واطمئنان بعيداً من التهديدات اليومية والكلام المبتذل والوجوه الكالحة والأصابع المرفوعة من تلك الأمور التي باتت تشكل يومية الشاشات عندنا من دون أن يحرك أحد ساكناً لإخراسها وردعها...». وهنا إذ بدا أن غضب الحلاق قد تفاقم، توقف فجأة عن الكلام ونظر حوله بخوف قائلاً: «هل تعتقد يا صديقي أنني صرت أتكلم مثلهم؟ أهي عدوى أم ماذا؟».