عند الصباح الباكر قبل أيام، بدا الحلاق العجوز لجاره الصحافي الشاب في واحدة من تلك الحالات الغاضبة المشمئزة التي يلاحظ جاره أنها لا تواته إلا حين يكون شيء ما أجبره في الليلة الفائتة على مشاهدة حلقة من مسلسل «درامي» لبناني على إحدى المحطات التي تصر على عرض مثل تلك المسلسلات من دون شفقة أو رحمة... وبالفعل ما إن تمت طقوس تبادل السلام بين الجارين حتى انفجر الحلاق متسائلاً: «هل هناك مدارس للتمثيل التلفزيوني في لبنان؟»... يقلب الصحافي شفتيه ويجيب مستغرباً سؤالاً من هذا النوع أنّ ليس ثمة على حد علمه في لبنان أمكنة مختصة في هذا اللون من التمثيل. هناك معاهد للتمثيل المسرحي واعتادت أن تخرّج فنانين محترمين ربما يتحول بعضهم إلى التلفزيون أو السينما لاحقاً... لماذا تسأل يا صديقنا... هل تريد لواحد من أنجالك أن يدرس هذا الفن؟ «أبداً، أجاب الحلاق، بل أريد أن أعرف ما هو نوع المعاهد أو المدرسين الذين يلقنون هؤلاء الناس فنونهم...». أي ناس؟ تساءل الصحافي مبتسماً وقد خمّن الجواب... فقال الحلاق: «هؤلاء الذين يزعقون دون توقف في هذا الهراء الذي يسمونه مسلسلات لبنانية، لست أدري منذا الذي أفهمهم أن التمثيل صراخ وزعيق متواصلان». هنا، حاول الصحافي أن يفتح فمه ليقول لصديقه إن الحق ليس عليهم بل على الكتّاب والمخرجين الذين يتعلمون مهنتهم عبر مشاهدة أردأ أنواع المسلسلات التركية والمكسيكية وما شابهها، لكن الحلاق واصل كلامه الاحتجاجي وقد بدا عليه أنه لا يريد أن يترك للآخر فرصة للكلام. من الواضح أن غضبه كان يريد أن يعبر عن نفسه من دون أن يبدو عليه أنه يريد أن يعرف للأمر أسباباً: «يا أخي، إذا كان لا يوجد عندنا مدارس لتعليم الراغبين فنون التمثيل، وربما أيضا الكتابة والإخراج للتلفزيون، فلماذا لا يتعلم هؤلاء الناس من أولئك اللبنانيين الآخرين...». وإذ سكت ربما في محاولة منه لتذكر أي لبنانيين يقصد وقد قال جملته بعفوية، حاول الصحافي أن يستفهم الأمر وقد آنس عودة منه إلى موقف وطني... فتابع الآخر: «أقصد أولئك الذين يشتغلون في الإعلانات... جرب يا صديقي أن تتأمل في إعلان من صنع لبناني وقارنه بأي مسلسل «وطني»... ستدهش بالتأكيد: في الإعلان اللبناني تكاد الأمور تبدو عند حدود الإتقان الكامل، الممثلون طبيعيون، اللقطات جميلة، الموسيقى ساحرة... أما الإخراج فحدّث ولا حرج». وإذ نفّس الحلاق العجوز عن غضبه بهذا الاستنتاج ابتسم واختتم كلامه قائلاً بنوع من المكر: «فمن يجرؤ بعد الآن على اتهامي بخيانة مبدأ لبنان أولاً... لمجرد أن مسلسلاته تثير اشمئزازي وغضبي، وممثليها يخلقون لدي رغبة في الرحيل؟».