يحلو للحلاق العجوز أن يخبر جاره الصحافي عند كل صباح يلتقيه فيه، أن أكثر ما يستهويه من بين البرامج التلفزيونية جميعاً، إنما هو برامج الحكي السياسي. «صحيح أنها عادة ضئيلة الفائدة، ولا تسمن ولا تغني من جوع، يقول الحلاق، لكن فيها العديد من المتع... وربما إمكانيات لفشّ الخلق طالما أن من هم مثلي من عباد الله الصالحين الذين لا يعجبهم العجب، قد يمضون ساعة البرنامج وهم ينفسّون عن أنفسهم بشتم الضيوف والسخرية مما يقولون، والتندّر الدائم بأن معظم ما يقوله الخبراء الإستراتيجيون منهم ليس أكثر من كلام فارغ...». غير أن تلك ليست متعة الحلاق الجار الوحيدة التي توفرها له متابعته الدقيقة لبرامج الحكي (يسميها برامج الثرثرة) السياسية هذه. فهناك أيضاً كما يقول، متعة المقارنة... وغالباً بين المقدمين انفسهم. وهو انطلاقاً من هذه الممارسة، أخبر جاره الصحافي باكتشافه «الدقيق» أن مقدمي هذا النوع من البرامج ليسوا متجانسين ولا هم من الدرجة نفسها. كيف؟ حسناً، يبتسم الحلاق هنا ابتسامته المظفرة التي اعتاد أن يرسمها على وجهه في كلّ مرة يحس فيها أنه أثار فضول محدثه حقاً، ويضيف: «اسمع يا صديقي... إن هناك بينهم من يمثل دور الحكم الصارم المدافع عن معتقداته وما يراه ملائماً لآراء متفرجيه. ومن بينهم الحكم المتأرجح الذي يخيّل إليه دائماً أنه يقود مباراة صراع بين الديوك الشرسة. وثمة من لا يتوقف عن تحريض ضيوفه على بعضهم بعضاً، لعلهم يتضاربون بالأحذية فيصبح برنامجه حديث المجتمع في اليوم التالي. وهناك المقدّم الذي يمضي نصف وقت البرنامج مقهقهاً من دون أن يلاحظ المتفرجون أي سبب لذلك... وهناك أيضاً نوع من المقدّمين يمضون وقتهم خائفين من أن تندلع معركة بين الضيوف ربما تدفعهم لاتخاذ موقف وهم يأبون ذلك... ثم لا ننسى هنا ذلك الصنف من المقدمين الذين يحرص الواحد منهم على أن تكون أسئلته أطول كثيراً من إجابات ضيوفه. وعن هذا النوع ينحدّر نوع فرعي يضم المقدمين الذين لا يسمحون أصلاً لضيوفهم بأن يكملوا أية جملة يتفوهون بها... هذا إذا كانوا قد سمحوا لهم أصلاً بأن يتكلموا. ثم هناك المقدّم الذي يريد أن يثبت أنه أذكى من ضيفه وأكثر علماً. وإلى هؤلاء جميعاً سنضيف مقدمين ينبهرون بضيوفهم إلى حدّ الإمحاء أمامهم فيجلس الواحد منهم كالتلميذ أمام معلمه صاغراً ساكتاً...». وهنا، وبعد أن يسكت الحلاق لحظة لرصد تأثير تصنيفاته هذه على جاره، يستطرد قائلاً: «مهما يكن فإن ثمة الآن نوعاً جديداً يمكن القول إنه سيكون ذا مستقبل زاهر... وهو النوع الذي يشبه فيه المقدّم محققاً بوليسياً صارماً جافاً وعدوانياً يتعامل مع الضيف وكأنه معتقل طلب إليه أن يستنطقه ففعل...». وإذ سكت الحلاق بعد أن أدرك أنه قال ما أثار فضول جاره، سأله هذا الأخير أن يعطيه أسماء تدلّل على كل نوع، فابتسم الحلاق رافضاً وقال: «ولو!!! اجلس مثلي أمام الشاشة وستكتشف الأسماء بنفسك».