هل تعرفون ما هو الشيء الذي يمكن اعتباره «الضحية الأولى» للعدد الأكبر من برامج الحكي – السياسي وغير السياسي – على شاشات الفضائيات والتلفزات العربية في شكل عام؟ حسناً... من الأفضل ألا تحاولوا ارتجال الجواب، لأنه لن يخطر في بالكم مهما أعملتم الفكر. فأنتم في نهاية الأمر ليس لديكم من الوقت وطول البال ما لدى الحلاق الجار العجوز الذي بات، منذ زمن، من أنصار تزجية الوقت في وضع احصاءات، ورصد «حقائق» يعرّفها هو نفسه بأنها قد لا تفيد في شيء على الإطلاق وقد لا تهمّ احداً غيره. ثم، يتساءل صاحبنا: هل لا يزال ثمة من بين عشرات ملايين المتفرجين العرب من يهتم حقاً بما يهتم هو به؟ لقد صار منذ زمن بعيد مدمناً في هذا المجال لا برء له ولا عزاء. إذاً يا جارنا الصديق... هات قل لنا ما الجواب، ومن هو الضحية التي تتحدث عنها؟ بابتسامته الماكرة الساخرة يجيب الحلاق العجوز: إنها الجملة الأخيرة؟ وقبل ان تسأله تفسيراً، يستطرد: انني من خلال رصدي الدؤوب لعشرات البرامج والزوايا الإخبارية على عشرات الشاشات الصغيرة العربية، توصلت الى واقع في منتهى الغرابة يتمثّل في ممارسة يتمسّك بها مذيعو البرامج وأصحاب الزوايا في كل حلقة ولحظة وحين، ومهما كان من شأن أو أهمية ضيفهم الذي يطرحون عليه اسئلتهم، ومهما كانت اهمية الجواب وخطورة الموضوع... وهذا الواقع يتعلق بعدم سماح اي واحد من المقدمين والمذيعين لأيّ ضيف بأن يقول الجملة الأخيرة في ايّ تصريح يدلي به او ايّ رأي يعبّر عنه... ولا سيما إن كانت تلك الجملة اهم ما في الكلام. قبل زمن كان المذيعون والمقدّمون من التهذيب، وفق جارنا الحلاق، بحيث يقولون حين يريدون قطع حديث ما: طيّب الفكرة وصلت! ويواصلون كلامهم. اليوم اختفت هذه العبارة الاعتذارية وصار قطع الكلام مباشراً بحيث يشاهد المتفرجون الضيف وهو يواصل فتح شفتيه وإغلاقهما آملاً في ان يوصل فكرته الى خاتمتها حتى بعد ان يقطع عنه الصوت، فيما المذيع يطرح فكرة جديدة او سؤالاً تالياً سيكون للجواب عنه المصير نفسه... والمؤكد ان «ضيق الوقت» ليس الدافع الى هذا النوع من الممارسة... الدافع الحقيقي هو ان «نجوم» التلفزة الأشاوس باتوا يصدّقون ان الكاميرا والضيوف والمتفرجين، هم هنا من اجل الإصغاء الى حضرة المذيع والاستنارة بأفكاره النيّرة وآرائه ولا سيما حين يطرح على الضيف المسكين سؤالاً طويلاً جداً تكون نهايته عادة في كلمتين بليدتين هما: أليس كذلك؟ يقول جارنا الحلاق هذا ثم يحك رأسه مشمئزاً ويتمتم بصوته الغاضب: إنه مبدأ السمك... لبن... تمر هندي... أليس كذلك؟