سُرّ الصحافي الشاب حين لمح جاره الحلاق العجوز يهشّ له ويبشّ عند الصباح. وكان ذلك السرور، طبعاً، قبل ان يلاحظ شيئاً من المكر في نظرة الحلاق. واذ اقترب الصحافي من هذا الأخير وصبّح عليه، بادره الحلاق على الفور: «اعتقد انك، يا صاحبي، مدين باعتذار...!». لمن؟ سأله الصحافي وهو يستعد ل «جولة» جديدة معه. فقال الحلاق: «لكلّ هزليّي التلفزيون الذين ما توقفت انت وأصحابك عن انتقادهم ووسمهم بالابتذال وقلة الذوق والميوعة». وقبل ان يفتح الصحافي فمه ليتكلم، استطرد الحلاق قائلاً: «ولكن ليس لهؤلاء فقط، بل لآخرين من اهل التلفزة الذين لا تتوقف انت وزملاؤك عن انتقادهم ليس لميوعة او ابتذال هذه المرة، بل لأخطائهم في اللغة العربية والتي تصل في رأيكم الى مستويات تكاد تدمّر اللغة». ومن جديد هنا، إذ حاول الصحافي ان يتكلم، أصرّ الحلاق على ان يتابع: «كذلك انتم مدينون بالاعتذار الى كل اولئك المشاركين في برامج الحكي من مسؤولين وغير مسؤولين من الذين تقولون عنهم انهم ما ان يبدأوا الكلام حتى تطلع من أفواههم، على الشاشة، كلمات وجمل لا معنى لها، وأفكار لا تسمن ولا تغني عن جوع...». هنا بالتحديد، بدا أن الحلاق استنفد ما عنده... وهكذا في لحظة كان يلتقط فيها انفاسه، سأله صديقه الشاب: «ولكن لماذا انا – وزملائي - مدينون بالاعتذار لهؤلاء... ماذا عدا مما بدا؟». فتح الحلاق عندما سمع هذا السؤال، عينيه بدهشة - مصطنعة بالتأكيد على عادته - وصرخ: «ولو...! ألم تتابع على الشاشات الصغيرة طوال ثلاثة ايام خطابات نواب الأمة وممثلي الشعب؟ ألم تسمعهم يتكلمون ويصولون ويجولون، متفلسفين، خاطبين، شاتمين، مادحين؟ ترى، عندما يشاهد المواطن هؤلاء ويستمع اليهم في ذلك المسلسل التلفزيوني السخيف والطويل، هل يجد إذّاك من العدل أن يوافقكم على شتيمة هزليّي التلفزيون الأخف وطأة على كلامهم المبتذل؟ وهل سيحق له بعد ذلك ان يرى ان لغة اهل التلفزيون ركيكة الى هذا الحد كجهلهم باللغة العربية امر لا يغتفر؟... وهل سيجد في هراء ضيوف التلفزيون، ما يعطيه الحق في ان يصف كلامهم بأنه كلام فارغ لا معنى له...». وهنا اذ فهم الصحافي ما اراد صديقه العجوز ان يقول، تابع طريقه مبتسماً والحلاق يودعه بتحية متشفيّة حارة، بدا من خلالها وكأنه يدمدم ذلك البيت الشهير من الشعر العربي الذي يقول ما معناه: «إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً، فما عيب أهل البيت إن هم رقصوا؟».