«هل تشاهد المسلسلات التلفزيونية اللبنانية؟»، باغت الحلاق العجوز جاره الصحافي الشاب بهذا السؤال ما إن التقاه عابراً عند الصباح. في الحقيقة، أربك السؤال الصحافيّ بعض الشيء من دون ان يفهم سبباً للإرباك، وهو لا بد أن يُرجِع السبب إلى ضيق الوقت، فهو لو أجاب -كاذباً طبعاً- أنه يشاهدها، سيضطره الجار الى إبداء رأيه بالتفصيل، ولو أجاب عن صدق بأنه بالكاد يشاهد دقيقة او دقيقتين من كل مسلسل، فلربما تأخذ «النخوة» الوطنية الحلاقَ ويبدأ بكلام لا ينتهي عن ضرورة تطبيق مبدأ «لبنان أولاً» حتى في هذا المجال... في الحالتين سيكون وقته ضحية الموقف، ومن هنا همهم قائلاً إنه يشاهد ما يتيسّر له حين يتيح الوقت ذلك! «إذاً لديك فكرة عن أسلوب الذكور اللبنانيين في التمثيل في هذه المسلسلات»... وهنا، قبل ان يبتكر صاحبنا الصحافي إجابة غامضة، واصل الحلاق قائلاً: «لو فعلتَ مثلي وقارنت بين أسلوب التمثيل النسائي والأسلوب الرجالي في المسلسلات ذاتها، ستطلع باستنتاج لطيف»... وصمت الحلاق منتصراً قبل ان يكمل: «بشكل عام، يمكن القول إن نساء المسلسلات يمثِّلن على الطبيعة، وغالباً بهدوء وثبات، لكن الرجال يتبعون أساليب أخرى تماماً، فالواحد منهم حين لا يُمضي وقتَه زاعقاً هائجاً، وهم غالباً ما يفعلون هذا بسبب او من دونه، تراه يُمضي بقية الوقت وهو يتكلم ببطء مدهش ومزعج... مع تخصيص وقت لصمت لا معنى له -ربما هو بديل من «مجّة» السيجارة الشهيرة لدى ممثلي الجيل السابق!-. شاهدْ وراقبْ يا صديقي، وسوف يدهشك الأمر!». «ولكن لماذا سيدهشني؟»، انطلق هذا السؤال في شكل عفوي من فم الصحافي... فسارع صديقه الحلاق قائلاً: «ببساطة، لأن الأمور لا تجري على هذا النحو في الحياة اليومية... بل أكثر من هذا، في الحياة اليومية كما تُقدِّمها الشاشات الصغيرة في البرامج غير التمثيلية. هنا لا أحد يفكر، بل الكلّ يفتح فمه بالكلام من دون تمهيد ومن دون وقفات استراحة، ولربما كان السياسيون الذين يُستضافون في البرامج «خير» دليل على هذا، حيث نجد الواحد منهم ما إن يجد الميكروفون مصغياً اليه، حتى يقوم «بالردح» والثرثرة، وغالباً أيضاً بكيل الشتائم لخصومه، وما الى ذلك»... وقبل ان يجد الصحافي متسعاً من الوقت ليفكر بما يقوله صديقه من ناحية، أو بإيجاد سبيل للهرب من ناحية ثانية، سمع الآخر يقول له: «لو ان الناس، ولا سيما السياسيون، في الحياة الطبيعية يفكرون مطوَّلاً قبل ان يتكلموا، لوفّرنا على أنفسنا عشرات المشاكل، ولوفروا هم على أنفسهم كل ضروب الاعتذار والتراجع التي يُبدونها بعد ان يُحدث تسرّعُهم ما يُحدث من أضرار... تُرى أوَليس من حقي هنا أن ادعوهم الى ان يتعلموا دروس التمثيل هذه من ذكور الدراما اللبنانية حتى وإن بدت لدى هؤلاء ساذجة ومفتعَلة؟!».