«هل تمتلك فئراناً هنا»؟ بهذه الكلمات يسأل عم إبراهيم، حارس بيت حيوانات التجارب في «معهد تيودور بلهارس» الشهير في القاهرة، أحد المتردّدين على هذا المبنى المخصّص للجراحات التجريبية. وفي طبقتيه، يؤوي المبنى الحيوانات الأكثر استخداماً في تجارب جراحة الكبد والمسالك البوليّة في مصر. غرف ومعامل مهجورة وفئران تجارب تعيش بجوار مجاري مائية. هذا ما يلفت نظر من يتجوّل داخل هذا المبنى الذي يوفر حيوانات التجارب ل20 معملاً تابعاً ل «معهد تيودو بلهارس»، وهو الأبرز في مكافحة عدوى البلهارسيا في الشرق الأوسط. «تسلمنا المبنى من وزارة الزراعة في العام 1983. وما زال بحاجة إلى رعاية الدولة وأموالها»، يقول الدكتور أسامة سليمان، أحد الباحثين في «بيت الحيوان» وهو مبنى مجاور للمعهد. المفارقة أن «منظمة الصحة العالميّة» تكفّلت بالإنفاق على أحد مشاريع «بيت الحيوان»، ما جعل بعض حيوانات التجارب المدفوعة الأجر فيه «تتنعم» بمستوى مرتفع من الرعاية. موارد ذاتيّة للفئران! «الفأر من نوع ال «مايس» ب 7 جنيهات (قرابة دولار) وال «هامستر» الأحمر ب 25 جنيهاً»، هكذا تدير وحدة تربية حيوانات التجارب المدفوعة الأجر مواردها ذاتياً، وفق الدكتور محمد عبد الجليل، مدير «بيت الحيوان»، للمساهمة في الإنفاق على حاجاتها في ظل نضوب الموارد المادية التي تأتي من الدولة. ويشير عبد الجليل إلى لجوء البيت لبيع الحيوانات للباحثين من خارج المعهد، ولأشخاص مهتمين بنوع من الفئران يسمى «غولدن هامستر» لتربيته في المنازل باعتباره حيواناً أليفاً. ويضيف عبدالجليل أن إجمالي إنتاج الوحدة من فئران التجارب يصل إلى 12 ألف فأر من نوع «مايس»، و 6 آلاف فأر «هامستر» سنوياً. ويوضح أن «بيت الحيوان» يضمّ أنواعاً أخرى من حيوانات التجارب لكنها غير مخصّصة للبيع، كالكلاب التي تعتبر بديلاً من الخنازير، بعد تخلّص الدولة من مزارع الخنازير في العام 2009، وتستخدم في تجارب جراحة المسالك البوليّة. «لا نتلقى دعماً من الحكومة المصرية، بل تنفق الوحدة على نفسها من إيراداتها»، يقول الدكتور فؤاد يوسف، رئيس الفريق العلمي لوحدة حيوانات التجارب المدفوعة الأجر. ويشير إلى حصول الوحدة في العام 1989 على دعم من «هيئة المعونة الأميركية» التي اشترطت بيع حيوانات التجارب للمراكز والجامعات المصرية. وتصل موازنة الوحدة إلى نصف مليون جنيه سنوياً تأتي من بيع حيوانات التجارب. ويوضح يوسف أن الوحدة تنتِج مواد بيولوجية تستعين بها المراكز البحثية المصرية جميعها، إضافة إلى بعض المنظمات العالمية ك «منظمة الصحة العالميّة»، وهذا يأتي بأموال تنفق على تحسين حال الغرف والحيوانات. ويشير يوسف أيضاً إلى فحص حيوانات التجارب دورياً من قِبَل ثلاثة أطباء بيطريين، منعاً لإصابة هذه الحيوانات بطفيليات تعيق استخدامها في التجارب. غياب الرعاية بمرارة، يتحدّث الدكتور أحمد توفيق، رئيس «الجمعية المصرية لحيوانات التجارب»، عن غياب الرعاية الصحيّة عن حيوانات التجارب في مصر، مشيراً إلى أن كليات الطب البيطري المحليّة لا تتضمّن تخصّصاً عن هذه الحيوانات. ويلفت توفيق إلى لجوء بعض الباحثين إلى تجار منطقة «أبو رواش» لشراء فئران لتجاربهم، وتلك الحيوانات توضع في أكياس خيش كبيرة ويباع الكيلو منها ب170 جنيهاً، فكيف نعتمد على النتائج الطبية المستعينة بمثل هذه الحيوانات؟ وفي منحى نقدي، وصف توفيق طريقة تعامل معاهد البحث مع حيوانات التجارب، بأنها «غير علميّة»، لافتاً إلى أن حيوان التجارب يجب أن يحفظ في أماكن مُعقّمة مع رعاية صحيّة متخصّصة. «هناك قرابة 50 نوعاً من الفئران يحتاج كل نوع منها إلى رعاية تختلف عن الأنواع الآخرى. وبيّن توفيق أن بيت حيوانات التجار له تصميم خاص لضمان عدم انتقال الأمراض المُعدية كالطاعون، لكنه وصف ما يحدث في معظم بيوت حيوانات التجارب في معاهد البحث المصريّة بأنه «كارثة بل قنبلة موقوتة». ويكشف توفيق ان بعض حرّاس بيوت حيوانات التجارب حاولوا بيع بعض الفئران المستخدمة في تجارب معيّنة إلى باحثين آخرين، وهو أمر رأى توفيق أنه ربما يوصل إلى كارثة.