تقويم مجريات المشهد السوري الأسبوع الماضي في تجرد وصدقية، ومن خلال نظرة موضوعية للمسرحية الهزلية التي مورست من الولاياتالمتحدة الأميركية وروسيا، بدءاً من طرح روسيا مسألة تسليم النظام أداة الجرم التي ارتكب فيها آخر مجزرة فحسب، مروراً بموافقة النظام على ذاك الطرح، وصولاً إلى نهاية المسرحية بخروج جميع الممثلين والكومبارس منتصرين، لا غالب ولا مغلوب. جلّ تلك الفبركات والتصريحات المكررة والمبتذلة، تمخضت عن إدخال الغرب في حال إرباك، ما يعني بالمجمل، مفاصلة سياسية، وبورصة على بيدر دماء مئات الآلاف من الشهداء، والخلوص إلى حال تهادنية بين القوتين العظميين، وبين من يستغشون تحت عباءتهما، ويكأن مجزرة الكيماوي بالأمس أضحت مقبولة، وأنه لا بأس أن تستمر المجازر بوسائل أخرى. هذا المعطى السياسي الجديد أفرز تأكيداً أن الغرب مستمر في استجهال الشعب السوري، فقد صرح وزير الخارجية الأميركي كيري بأنه في حال نكث النظام بوعوده، فإن الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة سيعطي المجتمع الدولي الضوء الأخضر للجوء إلى القوة ضد النظام؛ ظناً منه أن الشعب السوري لديه ذاكرة السمكة، فنسي مسرحيات الفيتو حتى ضد إدانة النظام فحسب. خطة المؤامرة مؤلفة من أربعة مراحل: المرحلة الأولى، انضمام سورية إلى منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. المرحلة الثانية، يفصح النظام عن مواقع تخزين وصنع الأسلحة الكيماوية. المرحلة الثالثة، يسمح النظام لمفتشي منظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحقيق في شأنها. وتقضي المرحلة الأخيرة من الخطة بتحديد كيفية تدمير الأسلحة، وذلك بالتعاون مع المفتشين. إن دعوة الغرب النظام السوري إلى التوقيع على وثيقة معاهدة حظر استعمال الأسلحة الكيماوية تُعد اعترافاً بشرعيته، وتأخذ لبوساً شرعياً دولياً، بعدما أشبعوه تصريحات بأنه ساقط شرعياً. المسألة الأخرى، جميع الأطراف التي شاركت الشخصيات الزئبقية الغربية تلك المسرحية تعلم أن تلك الخطة الشيطانية من العسير تطبيقها في بلد يعم فيه الاحتراب والقتال في جميع أركانه، وأصبح أرخبيلات كونفيديرالية منفصلة. آلية تطبيق الاتفاق والأسلوب الذي صرحت بعض الدول الغربية بأنها ستتبناه، والمعطيات العملانية توشي بأنهم سيمنحون النظام فرصة لقتل الشعب أكبر من الفرصة التي منحوها إياه خلال 30 شهراً مضت، إذ إن أمد تطبيق المراحل الأربعة التي قالوا بها ربما تمتد إلى أكثر من 10 أعوام، هذا إذا افترضنا حسن النوايا والصدقية لدى النظام. فعلى سبيل المثال، حين وافق صدام حسين على تسليم أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها الأسلحة الكيماوية التي كانت بحوزته استغرق تطبيق ذلك عقداً من الزمان. والحال السورية تماثل أضعاف الحال العراقية، فالنظام السوري، بحسب معهد الحد من انتشار الأسلحة الشاملة، يملك رابع ترسانة كيماوية في العالم، ناهيك عن أن أبرز المعوقات هي مرحلة التثبت من صدقية تسليم النظام أسحلته الكيماوية الذي يحتاج إلى وجود لجنة تحقيق، والمئات من المراقبين الدوليين على الأراضي السورية، بسبب لجوء النظام إلى توزيع تلك الأسلحة على جلّ الأراضي المتناثرة التي ما زال يسيطر عليها. علاوة على أن الفضائيات أوردت أخباراً مفادها بأنه هرّب جزءاً كبيراً منها إلى لبنان والعراق، وما من شك في أن هذا الطرح غير ناجع بعد أن تمت تجربته مرتين في السابق. ويشير الباحث بيتر هارلينغ من مجموعة الأزمات الدولية إلى أن تسليم الأسلحة الكيماوية في الإطار الحالي تقنياً غير ممكن، لأن تدميرها يتطلب آلية ضخمة تشكل تحدياً حتى في أفضل الظروف. لا يعزب على كل مواطن سوري فطن أن من خطط لذاك الاتفاق المخبوء تحت بنود الاتفاقات الدولية كان يروم إلى حفظ ماء وجه أوباما بعد زلة لسانه بالخط الأحمر، الذي أركس نفسه في الحال المستنقعية السورية متأخراً، كما أنه فضح زيف ومزاعم الغرب بالتصريح بأنه يدعم الشعب والثورة السورية طوال 30 شهراً مضت، والكثير من الحيثيات التي تؤكد أن جميع المؤتمرات التي عقدت باسم أصدقاء سورية لم تكن إلا ضحكاً على الذقون، واستخفافاً بالمدارك والعقول، وتندرج تحت باب ديبلوماسية التخدير الخفيف، ولم يعد أحد يصدق أن ذاك الاتفاق تم على خلفية رفع سقف عدد الشهداء في المجزرة الواحدة إلى 1500 شهيد، كما أجلت بوضوح نتيجة مفادها أن الثورة وصلت إلى مرحلة صفر أصدقاء. صحيح أن قضية استعمال النظام لأفتك الأسلحة المحرمة دولياً لقتل شعبه سلطت الضوء على ما يعانيه الشعب، وصحيح أن الشعب السوري وصل إلى مرحلة الاستغاثة والاستجداء بالغرب والتدخل، للتخلص من النظام الوحشي الأرعن بعد أن بلغ الأمر منتهاه، وبعدما تجاوزت ممارساته الوحشية حدود المنطق. ولكنه في الوقت نفسه لن يرضخ بأن تكون مثل تلك القرارات المصيرية بين أيادي أطراف لا تهمها إلا مصالحها، ومصلحة ربيبتها إسرائيل على حساب دماء الشهداء، ولقد قالوها صراحة إنهم لا يخشون امتلاك النظام الأسلحة الكيماوية، بل يخشون أن تقع بيد الإرهابيين المناهضين لإسرائيل. هذا التخاذل الغربي المشين تجاه الشعب السوري يحمل في طياته مضامين دفعت دهاقنة السياسة الغربيين إلى اجتراء صيغة سياسية جديدة تتكئ على بنود قرارات الأممالمتحدة التي خرجت من الأدراج، وأزيل عن أوراقها الغبار، بغية الوصول إلى هدفها الحقيقي حماية إسرائيل، من دون الالتفات إلى معاناة الموت الزؤام اليومي في سورية. بل أضحى من العقلانية السؤال: ما الفارق بين أن يموت الناس بقذائف الصواريخ والدبابات والرصاص ونحر بالسكين وبين أن يموتوا بالغازات الكيماوية؟ بل إنه من المعروف أن الموت بالغازات السامة أرحم وأسرع، وتبقى الجثث على حالها من دون تقطيع، حتى إن بعض الولايات الأميركية تستخدمها في إعدام المجرمين المحكوم عليهم بالموت. من وجهة نظر أخرى، إن هذا الاتفاق يقودنا إلى حقيقة مهمة للغاية، وهي أن ذاك الاتفاق ليس إلا مؤامرة أكبر تحاك ضد الشعب، خلافاً للموقف الغربي المعلن سابقاً. تبلور هذا الطرح في اتساع الفجوة بين رأي الثوار على الأرض وبين الاتفاق المطبوخ بمنح النظام مهلة حتى منتصف عام 2014، موعد الانتخابات الرئاسية في سورية. * باحث في الشؤون الإسلامية.