أنقذت الصدفة 850 شريطاً سينمائياً من إنتاج الاتحاد السوفياتي من التلف. فعندما كانت جمعية الصداقة الأردنية الروسية (السوفياتية سابقاً) تريد التخلص من محتويات مخازنها المهترئة في عام 2008، والتي جمدت بعيد عام 1990 إثر انهيار الاتحاد السوفياتي، اكتشف التشكيلي الراحل علي ماهر (1958 - 2013) أشرطة سينمائية من مقاسي 35 و16 ملم، في علب مهترئة، غالبيتها مدبلجة أو مترجمة إلى العربية. فحملها إلى مخزن تابع للهيئة الملكية للأفلام لتوضع تحت وصايتها. ويملك الأردن الآن أرشيفاً سينمائياً حقيقياً، ليس من روائع الأفلام السوفياتية فحسب، بل يضم أشرطة لبرامج «نحن نتكلم الروسية»، إضافة إلى أفلام الاتحاد الدعائية (حكايات عن لينين، احتلال أوروبا، معركة برلين، مهمة صعبة أن تكون مناضلاً، وغيرها). وكذلك بعض الأفلام الوثائقية التي أنتجت عن بلدان الاتحاد المختلفة. في عام 2009، قام مدرس السينما ماثيو إبلر ومجموعة من طلابه بتصوير أغلفة هذه الأشرطة وتعميمها على موقع إلكتروني. ووُجّهت دعوة مفتوحة إلى الجمهور للمشاركة في ترجمة العناوين التي وردت على هذه الأشرطة من اللغات الثلاث الروسية والعربية والإنكليزية وإليها. كما بنوا كاميرا مبسطة التقطت المشاهد الأولى من أشرطة مختارة، حُملت عشر منها إلى مختبر في برلين وحُوّلت إلى نسخة رقمية حُمّلت على موقع «يوتيوب». وتشير غالبية أغلفة الأشرطة إلى المؤسسات التي أنتجت هذه النسخ من الأفلام، ومن بينها غوسكينو (المؤسسة الحكومية المسؤولة عن الإنتاج والرقابة)، وموسفيلم (استوديو ضخم شهد تصوير أشهر الأفلام السوفياتية)، وكذلك معمل موسكو للأفلام و «سوف اكسبورت فيلم» للتوزيع. عطّل «يوتيوب» روابط الأفلام التي أنتجتها «موسفيلم» بدعوى مخالفة حقوق الملكية الفكرية، إلا أن روابط لأفلام أخرى ما زالت تُظهر بعض مواطن قوة هذا الأرشيف: منها أفلام لزيارة الملك حسين في عام 1976 للاتحاد السوفياتي حيث يظهر في تصوير وثائقي ملوّن عالي الجودة مبحراً في بحيرة بايكال في سيبيريا وعلى أطراف البحر الأسود، أو متجولاً في مصنع للألومنيوم، أو في حفلة استقبال وجولات في موسكو أو واضعاً زهوراً حمراء على نصب أبناء لينينغراد في ساحة النصر. كذلك يحتوي الأرشيف الذي تملكه بواكير إنتاج دائرة السينما والتصوير التابعة لوزارة الثقافة والإعلام الأردنية، وهي مجموعة نادرة من الأفلام التي أنتجت بين عامي 1968 و1970 في الأردن، مثل «الحق الفلسطيني» و«ريبورتاج أردني» و«الشتات 1967» و«زهرة المدائن» و«الأرض المحروقة» وغيرها. تصور هذه الأفلام جانباً من القضية الفلسطينية بعرض الآثار المترتبة على حرب 1967 من خسائر الأردن وبيئته العمرانية والاجتماعية والصناعية. وصنع هذه الأفلام عدد من المخرجين والمصورين الذين ابتعثتهم الوزارة لدراسة التصوير والإخراج في المملكة المتحدة، ومن بينهم المصور هاني جوهرية (1939 - 1976)، والمخرج مصطفى أبو علي (1940 - 2009)، والمصورة سلافة جادالله (1941 - 2006) ليؤسسوا في مرحلة لاحقة «قسم التصوير الفوتوغرافي» (الذي أصبح في ما بعد «مؤسسة السينما الفلسطينية») وانتقل من عمّان إلى بيروت. كانت هذه الأفلام، أو قصصها، طي النسيان لولا نجاة هذه النسخ من رطوبة مخزن جمعية الصداقة الأردنية الروسية. والآن يجب النظر إلى أهمية هذا الأرشيف باعتبار عمّان المركز التي تدور حوله عناصره. صور عمّان السينمائية نادرة اليوم، بعضها محفوظ في مخازن أكثر صعوبة في الوصول إليها، ما بين التلفزيون الأردني ومكاتب التوزيع والصداقة ونوادي السينما العالمية. كذلك راجت علاقة سينمائية ما بين أهل عمّان وأفلام الاتحاد السوفياتي عندما كانت رابطة الفنانين تعرض فيلماً عالمياً من اختيارها كل خميس في مسرح بجبل اللويبدة. وكانت الجمعية ترسل الفيلم وجهاز العرض وخبير العرض. كذلك شهد نادي الناقد حسان أبو غنيمة (1949 - 1996) للسينما رواجاً خاصاً في الثمانينات طاف فيها بروائع السينما أرجاء المدينة. ويتضمن الأرشيف علب أفلام حملت ترجمة أسمائها إلى العربية، بينما غالبية مواده لن يمكن التعرف عليها إلا بتوافر جهاز عارض لأفلام 16 ملم أو 35 ملم، الأمر الذي تعمل عليه مجموعة من الفنانين المستقلين (عريب طوقان وآلاء يونس وغيرهما) لاستكشاف قصص هذا الأرشيف عبر أفلامه وصنّاعها وقصة اختفائه. كذلك تركّب مجموعة الفنانين أجهزة مبسطة تعمل كأجهزة عرض لتسجل بعض هذه الأفلام رقمياً، في ظل انحسار هذا النوع من الصناعة السينمائية. وسيبصر فيلم وثائقي عن هذا الأرشيف النور في الأشهر المقبلة.