يعيش الشارع السكندري خصوصاً والمصري عموماً حالة من التناقض المدهش، تجمع بين مشاهد الفرح والالم، أظهرتها مظاهر الاستعداد لشهر رمضان الكريم هذا العام على رغم المشهد السياسي المتأزم وحالة الاحتقان والانفلات الأمني في الشارع... انخرط السكندريون في طقوس وعادات متوارثة فتزيّنت المدينة الساحلية بكل فضاءاتها وأحيائها وحاراتها وشرفاتها، برداء شرقي أصيل لافت بنكهته الروحانية الفريدة وألوانه الصريحة وأيقوناته الهندسية، وزخارفه الإسلامية من مختلف العصور. في كل عام في العشر الأواخر من شعبان ينتشر الشباب من مختلف الفئات والأعمار والمستويات الإجتماعية في الشوارع يعلقون الفوانيس اليدوية المصنوعة من الخشب والورق الملون وأوراق الزينة وقصاصات الورق والقماش الملصوقة على أفرع من الخيوط الرقيقة على هيئة دوائر أو نجوم أو هلالات تتدلى بخيوط ملونة من الأعلى وفروع الإضاءة بكل أشكالها وألوانها. إلا أن الاحتفالات هذا العام اكتست برداء سياسي، فتحولت الفوانيس إلى «فوانيس تمرد» و «فوانيس السيسي». كما انتشرت أخرى بشكل الخراف ولاقت رواجاً كبيراً بين الاطفال. وظهرت الاعلام المصرية بكثافة في زينة الشوارع مع صور الرئيس المعزول وعليها علامة ممنوع، أو صور مجمعة لاعضاء بارزين في جماعة الإخوان المسلمين ممهورة بكلمة «كاذبون»، وصور أخرى للفريق عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة الذي يعتبره المصريون أيقونة ثورة التصحيح ثورة 30 يونيو الشعبية. يقول محمد عبد الرحيم من منطقة سيدي بشر: «لم يستطع الشباب تزيين عدد كبير من الشوارع التي يقطنها مؤيدو الرئيس السابق في منطقة سيدي بشر والعصافرة والعجمي والذين منعوهم من تزيين الشوارع وشرفات المنازل. إلا أننا سنحتفل برمضان وبالثورة رغماً عنهم». اللافت ايضاً هذا العام عدم إضاءة عدد كبير من المساجد وأضرحة أولياء الله الصالحين ولا تزيين مآذنها ولا قبابها بالمصابيح الكهربائية الملونة، نظراً إلى انشغال المواطنين بالأحداث الجسام التي تعيشها الإسكندرية هذه الأيام في ظل معارك الشوارع الشرسة بين مؤيدين للرئيس السابق محمد مرسي ومناوئين له. وعلى رغم الظروف الصعبة، تشهد الأسواق الرئيسية في الإسكندرية حركة، فخرج باعة الياميش والمكسرات بمختلف أنواعها والبلح والتمور ووضعوها في أكياس أو على طاولات حتى يتسنى للزبون اختيار ما يناسبه. ولم تبتعد الأسواق كثيراً عن السياسة فامتلأت عن آخرها بالأعلام وصور الفريق السيسي والرئيس الراحل جمال عبد الناصر وصور الرئيس المعزول مكتوب عليها «إرحل». وفي محاولة لتحريك حركة البيع، أطلق أصحاب المحلات أسماء الثورة على البلح والياميش، وتصدرت قائمة عروض البلح الأغلى ثمناً والأشهر جودة «بلح ثورة 30 يونيو» و «بلح شباب تمرد»، و «ياميش السيسي المتين»، فيما أطلق التجار على الأنواع الأخرى من البلح الأقل جودة أسماء «عصابة الأخوان» و «أخوان كاذبون»، وأدنى أنواع البلح أطلقوا عليه «بلح المرشد».