تعيش سورية أزمة إنسانية رهيبة متفاقمة منذ سنتين، مركبّة ومستفحلة سياسيّاً، تتعقّد وتتشعّب باضطراد، ولا نهاية لها في المدى المنظور، نتيجة استمرار الحرب والصراع في، وعلى، سورية، إثر اندلاع انتفاضة شعبية محقّة في وجه نظام لطالما أهدر كرامة وحقوق المواطنين، واستخدم في قمع الانتفاضة أبشع وسائل العنف والإرهاب، حتّى استخدام الأسلحة الثقيلة كافة، وتجاهل المبادرات السلميّة كافة المقدمّة وطنياً (منها مبادرة الحركة الكرديّة في بداية الانتفاضة من أجل وقف العنف والبدء بعملية تغيير ديموقراطيّ حقيقيّ وآمن) وعربياً ودولياً. والأزمة باتت تهدد أمن وسلامة شعوب ودول الجوار كذلك، وباتت شأناً إقليمياً ودولياً ولم تعد سورياً فقط.. وفي خلفية التوافق الروسيّ - الأميركيّ على إدارة الأزمة السورية، يبدو أن اختيار الإدارة الأميركيّة عدم التدخل المباشر الحاسم، لاعتباراتها الخاصة، تزامن مع الإصرار الروسيّ – إلايرانيّ - الصينيّ المتين على الدفاع عن النظام ديبلوماسياً وعسكرياً ومالياً. وعلى رغم المخاوف الأميركيّة والإسرائيليّة، إلا أنّ ذلك لا يعني أن الإدارة الأميركية في حيرة من أمرها إزاء المشهد السوريّ أو أنها سلّمت هذا الملف الشائك للجانب الروسيّ، فالولاياتالمتحدة دولة عظمى على مستوى العالم ولن تقف متفرّجة على الأوضاع في سورية، في هذه المنطقة الحيوية والخطيرة من العالم. وتتمتع بقوة كبرى وقدرات هائلة تؤهلها لرؤية مصالحها وفق منظورها هي، ومن ثم ترسم سياساتها وترتب سلّم أولوياتها في تناول ملف الأزمات هنا وهناك وإيجاد مخارج أو حلول لها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية. كل ذلك ترافقاً مع تداعيات المغامرة الأميركيّة في العراق وأفغانستان وكلفتها على الداخل الأميركي، والاقتصاد الأميركي الذي توليه إدارة أوباما الديموقراطية اهتماماً جديّاً. القيادة الروسية أيضاً عازمة أكثر من أي وقت مضى على احتلال موقع قويّ على المسرح السياسيّ العالميّ والدفاع عن نفوذها ومصالحها الاستراتيجية، خصوصاً في شرق البحر المتوسط والعمل من دون تردد لتثبيت وجود دائم لأساطيلها الحربية هناك لضمان عدم عزلها عن مجريات الأمور في جوارها الشرق الأوسطي. ومصالح أخرى منها ما تتصل بإمدادات الطاقة والنفط، واكتشاف منابع جديدة لها في المنطقة، وأخرى متعلقة بالمخاوف الروسية من صعود الإسلام السياسي في جوارها. في إطار هذه اللعبة المعقّدة والملغومة، بنت الولاياتالمتحدة تفاهمات مع روسيا الاتحادية بهدف درء الأخطار التي تهدّد السلم الإقليمي والدولي أو تنذر بنشوب واتساع حروب وحرائق من الصعب تطويقها. أما الجانب القيميّ - الأخلاقيّ بما فيه حقوق الإنسان وحرية وكرامة الشعب السوري أو إنجاح ثورته المحقّة في وجه الاستبداد والطغيان، فهذا أمر يخصّ السوريين، وليس في حسابات أية دولة كانت. بمقابل مطالبة بعض القوى السياسية والعسكرية المعارضة بالمزيد من التسليح، يبدو أن الرهان على تحقيق حسم عسكريّ رهانٌ عبثيّ وخاسر يدفع فاتورته الجميع، لا سيما الأبرياء والمدنيّون أين ما كانوا، ناهيك عن خراب العمران وتدمير الاقتصاد وتعميق الأحقاد. فلا النظام، بكامل بنيته العسكريّة - الأمنيّة ووحشيّته اللامحدودة والدعم الهائل الذي يرده من الخارج، استطاع إخماد الثورة وما رافقها من عمل عسكريّ مضاد، ولا المعارضة المسلّحة تستطيع هزيمة النظام على رغم التمويل العسكريّ والماليّ الذي تحصل عليه من الخارج، والتضحيات الباهظة. وبالنظر إلى ما نجم عن تسليح المعارضة حتى الآن، وهو تسليح غير حاسم حتى الآن على أية حال، وقراءة موازين القوى المتحكّمة في الحرب السورية، حتى إن وضعنا جانباً كل قناعاتنا العميقة والمبدئيّة بضرورة انتهاج الكفاح السلميّ ونبذ العنف على طول الخط، وإدراكنا التام أن المسؤول الأول عمّا جرى ويجري من فظائع وويلات هو السلطة المتجبّرة في دمشق، وانطلقنا من الناحية العملية ومجريات الواقع، تبيّن لنا أن النتيجة حتى الآن كانت إنهاك السوريين جميعاً في حرب مدمّرة طويلة الأمد، ونزيف بشري ومأساة سورية رهيبة، واتساع نفوذ التيار العدميّ، التكفيري التفجيري، لتبقى سورية منهكة وتتحوّل مدنها وأريافها إلى معاقل لأمراء الحرب وصناعة الموت وساحة لحروب إقليميّة - مذهبيّة سنيّة - شيعيّة، وصراعات محاور دوليّة على حساب الدم السوريّ. كرديّاً، وعلى صعيد غالبية أطراف الحركة السياسية الكردية، كان قرارنا هو بذل كل المساعي للحؤول دون تحويل المناطق الكردية إلى مسرح للعمليات العسكرية، حيث إن إسقاط النظام الأمني وإنهاء الاستبداد في دمشق غير متوقّف على إراقة مزيد من دماء السورييّن من أبناء القامشلي وبناتها أو عفرين وعين العرب، بصرف النظر عن انتمائهم القوميّ أو الدينيّ والطائفيّ، ما دفع بعشرات الألوف من العوائل السورية للنزوح صوب المناطق الكردية ومن أبرزها مدينة عفرين ونواحيها التي هي اليوم في حاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، والتي أضحت مكتظّة بالسكان النازحين من مناطق أخرى، وباتت الفوضى في المناطق الكردية تعني الفوضى لكل الشعب السوري وإساءة بالغة لثورته وطموحاته المشروعة، وهنا يترتب على جميع أطياف المعارضة السورية بتشكيلاتها السياسية والمسلّحة وجميع الغيارى والمخلصين الواعين أين ما كانت مواقعهم، النظر إلى هذه الخصوصية بعين الاعتبار، والمساهمة في حماية وحدة الصف الكردي وسلامة مناطقه، والتضامن مع تمثيله الأساس المتجسّد بالهيئة الكردية العليا (المنبثقة أساساً عن إرادة المجلسين الوطني الكردي ومجلس شعب غرب كردستان). في الواقع كنّا، كحركة كرديّة وكتلة مجتمعيّة، في موقع المعارضة السلميّة دفاعاً عن الذات والخصوصية القوميّة طيلة العهود الماضية، ولم نكن مشاركين يوماً ما في إدارة أية مؤسسة من مؤسسات الدولة من أصغرها إلى أكبرها. ناهيك عن الإقصاء الممنهج للمكّون الكردي في السلك العسكريّ والأمنيّ والديبلوماسيّ. وكان مناضلو الحركة الكردية عرضة للاعتقال منذ نشوء أول تنظيم سياسي كردي في سورية عام 1957 وحتّى يومنا هذا، من دون توقف، منهم المئات من ناشطي حزبنا. * السكرتير العام لحزب الوحدة الديموقراطي الكردي في سورية - يكيتي