شهد المجلس الوطني التأسيسي التونسي خلافات حادة خلال مناقشته في الأيام الماضية مشروع قانون أساسي لتحصين الثورة تسبب في انقسام النواب إلى رافضين أو داعمين لبنوده. ونظّم أحزاب المعارضة أمس تظاهرات في العاصمة من أجل التصدي لقانون «تحصين الثورة» قبيل المصادقة عليه بالرفض أو القبول. وتمّت قراءة مشروع القانون الذي يهدف إلى عزل عدد من المسؤولين التابعين للنظام السابق في افتتاح الجلسة العامة المخصصة للمشروع، وسط حالة من التشنج والهيجان من قبل الكتل النيابية الرافضة له. واستؤنفت الجمعة أشغال جلسات مناقشة قانون تحصين الثورة بعدما تم التمديد في الجلسة العامة بيوم بهدف استكمال التدخلات والتصويت على مناقشة المشروع فصلاً فصلاً أو التخلي عنه. وقد صوّت 96 نائباً في المجلس التأسيسي بهدف عرض مشروع قانون تحصين الثورة على جلسة عامة من أجل التصويت على فصوله فصلاً فصلاً. وفي المقابل، احتفظ ثلاثة نواب بأصواتهم وصوّت 36 نائباً برفض عرض المشروع لمناقشته فصلاً فصلاً، وهو ما يعني أن المجلس يستعد للمصادقة على المشروع على رغم التباين الشديد الذي لم يكن من الممكن ردمه بين الكتل النيابية في الحكم والمعارضة. وفي سياق متصل، تراجعت حركة «النهضة» عن مقترحها الذي يقضي باعتذار «فلول ومسؤولي النظام السابق» أمام الشعب، بعدما اعتبر الشيخ راشد الغنوشي أن الاعتذار من شأنه أن يمس من كرامة الذين سيشملهم قانون العزل السياسي. وكانت كتلة حزب «المؤتمر من أجل الجمهورية» (حزب رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي) قد تقدمت بمشروع قانون «تحصين الثورة» منذ قرابة سنة، ويهدف القانون المقترح إلى إبعاد المسؤولين والوزراء في الحكومات المتعاقبة زمن الرئيس السابق زين العابدين بن علي بالإضافة إلى القيادات الحزبية العليا والوسطى لحزب «التجمع الدستوري الديموقراطي» (الحزب الحاكم سابقاً) والذي تم حله بحكم قضائي بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي. ويحظى هذا المشروع بدعم من كتلة حركة «النهضة» وحزب «المؤتمر» وحركة «وفاء»، بينما يواجه رفضاً شديداً من الكتلة الديموقراطية وعدد من المستقلين المنتمين إلى «الجبهة الشعبية» (تحالف اليسار والقوميين) وحركة «نداء تونس». بينما اتخذ حزب «التكتل» (المشارك في الحكم) موقفاً محايداً إزاء القانون ذلك أنه لم يرفضه ولم يسانده. وكان بعض القيادات «النهضوية» قد عبّر عن رفضه القانون المقترح. وأبرز هؤلاء رئيس الوزراء السابق الأمين العام ل «النهضة» حمادي الجبالي الذي اعتبر أن قانون العزل السياسي سيضر بحركة «النهضة» أكثر مما سينفعها، متوجهاً بالنصح إلى الكتلة البرلمانية بعدم التصويت على القانون. والموقف نفسه اتخذه وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية سمير ديلو (محسوب على المعتدلين في النهضة) الذي اعتبر أنه من الأولى تطبيق مسار العدالة الانتقالية التي من شأنها أن تحاسب المتورطين مع النظام السابق، بحسب رأيه. وتساند الرابطة الوطنية لحماية الثورة هذا المشروع وقد نظمت الخميس أمام المجلس التأسيسي تظاهرة للمطالبة بالمصادقة علىه. وقد اعتبر الباجي قايد السبسي رئيس الوزراء السابق ورئيس حركة «نداء تونس» أنه «مستهدف شخصياً بهذا القانون» الذي سيقصيه من الترشح للانتخابات والعمل السياسي، وهو ما ينفيه مؤيدو قانون العزل، وأشار السبسي في لقاء إعلامي إلى أن المطلوب من الحكومة «تحقيق استحقاقات الثورة التي طالب بها شباب فقير ومهمش ومحروم وعاطل عن العمل وليس سن قانون إقصائي من شأنه أن يفكك المجتمع ويزيد من تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية المتردية».