بدأت بوادر أزمة جديدة بين الرئيس التونسي المنصف المرزوقي، وحلفائه في حركة النهضة الإسلامية القائدة للحكومة، بعد رفض المجلس التأسيسي المصادقة على مشروع ميزانية الرئاسة لسنة 2013 نظراً ل «الزيادة في مصاريف الرئاسة بما لا يتناسب مع ضروريات المرحلة، وتكاليف مشاريع التنمية». وأثارت تبعات إعلان رفض المصادقة على ميزانية رئاسة الجمهورية ردود أفعال في الأوساط السياسية، خاصةً لتزامنه مع تمرير ميزانيتي رئاستي الحكومة والمجلس التأسيسي، ما دفع أعضاء حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، المشارك في الائتلاف الحاكم، إلى اعتبار العملية ضغوطاً سياسية على رئيس الجمهورية، ومحاولة لتجريده من صلاحياته، بل ومعاقبته بسبب مواقفه الأخيرة في أحداث سليانة واتحاد الشغل. وكان المرزوقي أعلن رفضه لأحداث العنف وحذر من التورط فيه، علماً أن اتهامات تُوجَّه إلى أعضاء في «النهضة» بالمشاركة فيه. وقالت عضو كتلة المؤتمر النيابية، سامية عبو، إن هناك توجهاً نحو تكريس مفهوم جديد لمؤسسة الرئاسة، بحيث تكون مؤسسة ضعيفة ليس لها وجود فاعل على الساحة السياسية في البلاد. ولم يتأخر رد رئاسة الجمهورية، إذ خرج أمس الناطق الرسمي باسمها، عدنان منصر، ليصرح بأن الرئيس سيضطر إلى إصدار قانون المالية للثلاثة أشهر الأولى من عام 2013 في شكل قرار جمهوري، ما لم يصادق المجلس التأسيسي على ميزانية الدولة قبل نهاية ديسمبر الجاري. وذكر منصر أن المرزوقي يمكنه -طبقاً لما يمنحه إياه قانون التنظيم المؤقت للسلطات من صلاحيات- إصدار قرار جمهوري ينص على قانون المالية، أي ميزانية الدولة. أما تيارات المعارضة ففسرت إسقاط ميزانية الرئاسة بأنها رسالة احتجاج على ارتفاع ميزانية التصرف الحكومي بواقع 75 % في مقابل تراجع النفقات الموجهة للمجالات التنموية، إلى جانب كونها رداً سياسياً من حركة «النهضة» على الانتقادات التي وجهها الرئيس منصف المرزوقي إلى حكومتها أخيراً. وفي شأنٍ متصل، أعلن رئيس الوزراء التونسي السابق، وزعيم حركة نداء تونس، الباجي قايد السبسي، أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وجاءت تصريحات السبسي متوقعة باعتبار أن هذه الخطوة تأتي في الاستقطاب السياسي الدائر بين نداء تونس والنهضة، وكان أنصار الأخيرة أجبروا هذا الأسبوع مسؤولي نداء تونس على إلغاء اجتماع لهم في أحد فنادق جزيرة جربة جنوب البلاد. لكن شريحة من المتابعين اعتبرت ترشح السبسي مفاجأة لإعرابه عن نيته الترشح لمنصب الرئيس، بعد تجربة سياسية طويلة بدأت منذ استقلال تونس عن المستعمر الفرنسي، ومشاركته في مسؤوليات رسمية في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وحتى بعد الثورة الأمر الذي لا يجعله مفضلاً لدى الشريحة الواسعة من الشباب التونسي، خصوصاً أنه يبلغ من العمر 86 سنة. وقال السبسي في تصريحاته: إنه سيخوض الانتخابات الرئاسية نزولاً عند رغبة التونسيين، مشيراً إلى وجود خلافات جوهرية مع حركة النهضة التي تقود الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس. وأضاف «سأخوض الانتخابات إذا كان ذلك سيخدم تونس ويريح التونسيين من الأوضاع المتردية التي آلت إليها البلاد»، معتبراً أن الوقت حان ليجتمع شمل الأنصار الفعليين للحرية والديمقراطية والحداثة والاعتدال والخائفين على بلادهم والراغبين في إنقاذ تونس من خلال جبهة واحدة تحمي البلاد من الأخطار المحدقة بها». وتابع «تونس اليوم تمر بفترة عصيبة بسبب محاولات الإقصاء اليومية لكل منافس جدي لحركة النهضة».