تحاول مواقع إلكترونية ومحسوبون على المعارضة من سياسيين ونواب في الأردن بين فترة وأخرى التشكيك في أهداف الاستثمار الخليجي في المملكة، على رغم الأهمية الكبيرة لهذا الاستثمار وتأثيراته الإيجابية في مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية الأردنية، خصوصاً في الظروف الحساسة التي تمر بها المنطقة. ومن الأمثلة تصريحات وتعليقات تعرضت لمشروع «مرسى زايد». فيوم إعلان شركة «المعبر» الإماراتية (مملوكة لشركات حكومية في أبو ظبي) إطلاق المشروع الاستراتيجي في العقبة يوم 26 شباط (فبراير) 2009، ركزت الشركة عند الإشارة إلى أهداف المشروع على دعمه للأمن الاقتصادي والسياسي الأردني وخلق فرص عمل تساهم في حل جزء من مشكلة البطالة والفقر في الأردن، وتعزيز قطاع السياحة، إضافة إلى التأثيرات الإيجابية لهذا المشروع الضخم في أداء قطاع الإنشاءات في المملكة والقطاعات المرتبطة به. وجرى كذلك التطرق إلى التأثيرات الإيجابية لتدفق نحو 10 بلايين دولار، هي الكلفة الأولية للمشروع، في ميزان المدفوعات الأردني والاحتياطات الأردنية من العملات الأجنبية وتعزيز سعر صرف الدينار بينما لم يجرِ التطرق إلى العائدات الاستثمارية المتوقعة من هذا المشروع أو أخطاره. وكان توقيت الإعلان عن هذا المشروع مفاجأة مهمة للمؤسسات المالية والاستثمارية والاقتصادية العالمية باعتباره الأكبر على مستوى المنطقة، إضافة إلى تزامن الإفصاح عن هذا المشروع مع زيادة عمق الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد العالمي نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية. وارتبط الاهتمام الإقليمي والعالمي بهذا المشروع بامتلاك إمارة أبو ظبي أكبر صندوق سيادي على مستوى العالم تُقدَّر موجوداته حالياً بنحو 700 بليون دولار وتتوزع استثماراته في كل القارات والأدوات الاستثمارية ويملك هذا الصندوق فريقاً ضخماً من الكفاءات الإماراتية والعالمية، وقراراته الاستثمارية ليست عشوائية بل تستند إلى دراسات جدوى تأخذ في الاعتبار الأخطار والعائدات المتوقعة. ويُلاحَظ أن للجانب السياسي دوراً مهماً في اتخاذ حكومة أبو ظبي قرار تنفيذ هذا المشروع المهم، فالإمارات ترتبط بعلاقات تاريخية متميزة مع الأردن، وساهم في بناء هذه العلاقات وتوطيدها العاهل الأردني الراحل، الملك حسين بن طلال، ورئيس الإمارات الراحل، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وما زالت هذه العلاقات تتوطد اقتصادياً وسياسياً، إلى جانب الرعاية الخاصة التي تتلقاها الجالية الأردنية في الإمارات المقدّر عددها بنحو ربع مليون شخص يساهمون مساهمة فاعلة عبر تحويلاتهم المالية في تعزيز أداء الاقتصاد الأردني. وحكومة أبو ظبي مشهود لها على المستوى العالمي بالشفافية والكفاءة والجودة على صعيد إفصاحها عن أي استثمار إقليمي أو عالمي يخصها. ويُلاحَظ في هذا السياق الإفصاح الكافي والمتواصل من إدارة «المعبر» حول كل البنود والاتفاقات المتعلقة بمشروع «مرسى زايد»، إضافة إلى إعلانها تفاصيل كاملة عن مراحل تنفيذه وانعكاساته الإيجابية على مختلف القطاعات الاقتصادية وعائدات الخزينة في الأردن. وثمة حقائق يجب أخذها في الاعتبار، من أهمها موافقة مجلس النواب الأردني في 26 آذار (مارس) 2008 على بيع 3200 دونم وليس بيع الميناء كله، في مقابل 500 مليون دولار، علماً أن هذه الصفقة أُبرِمت بطلب من الحكومة الأردنية بهدف الاستفادة من فرصة التسديد المبكر المقدمة آنذاك من «نادي باريس» للمانحين في ضوء التأثير الإيجابي لهذا التسديد على وضع المديونية الأردنية. وبلغ سعر الدونم استناداً إلى هذه الصفقة 109 آلاف دينار أردني (156 ألف دولار) وليس ألف دينار للدونم كما يدعي البعض، تُضاف إليه عائدات سنوية للحكومة الأردنية تشكل ما نسبته ثلاثة في المئة من إجمالي عائدات المشروع البالغة قيمتها السنوية المبدئية نحو 200 مليون دينار، إضافة إلى تحمل الشركة ما قيمته بليون دولار هي كلفة استصلاح أراض والبنية التحتية للمشروع. ويُتوقَّع استخدام ثلث الأراضي المشتراة للاستخدام العام من مستشفيات ومدارس وشوارع ستكون ملكيتها للحكومة الأردنية. وأفصحت الشركة بالتفصيل عن كلفة التطوير وإزالة المباني الحكومية، وعن خصائص ميناء السفن السياحية وتأثيره الإيجابي في دخل الحكومة وتشجيعه القطاع السياحي البحري وغيرها من المعلومات المهمة. وعلى رغم هذا الإفصاح المتكرر، يستمر التشكيك في استثمارات الإمارات في هذا المشروع المهم على رغم مبادرة الشركة في كل مناسبة للرد على أي استفسارات خاصة بتفاصيله. وتتجنب الحكومة الأردنية اتخاذ خطوات جادة لمحاسبة من يحاول تشويه سمعة الاستثمارات الخليجية، سواء من خلال دائرة مكافحة الفساد أو الجهات الرقابية والقضائية، على رغم أن لهذه الاستثمارات دوراً مهماً خلال هذه المرحلة الحساسة في تعزيز أداء معظم القطاعات الاقتصادية الأردنية، إضافة إلى امتلاك الخليجيين نحو 40 في المئة من أسهم الشركات المدرجة في سوق عمّان المالية واحتضانهم نسبة مهمة من المغتربين الأردنيين خارج بلادهم. كذلك تلعب المنحة الخليجية دوراً مهماً في تعزيز أداء الاقتصاد الأردني وتطوير البنية التحتية وحل جزء من مشكلة البطالة والفقر نتيجة توظيفها في نفقات رأسمالية مختلفة ومساهمتها في تعزيز ميزان المدفوعات الأردني. ويُخشى من اضطرار دول الخليج إلى إعادة النظر في استثماراتها في الأردن إذا استمرت موجة التشكيك، الأمر الذي سيترك تأثيرات سلبية في الأمن الاقتصادي الأردني فيما تبذل الجهات الحكومية الأردنية جهوداً مضنية لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي. مستشار أسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»