تعمل دول الخليج بقيادة السعودية على تعزيز الأمن الاقتصادي للأردن الذي يمرّ بمرحلة استثنائية بعد الارتفاع الكبير والقياسي في عجز موازنته في ظل وجود اختلالات هيكلية في بنيتها. وتتمثل هذه الاختلالات بعدم تغطية الإيرادات العامة الإجمالية للنفقات التي تزايدت في شكل كبير هذه السنة، بعدما رفعت الحكومة رواتب العاملين والمتقاعدين في القطاع الحكومي، ودعمت المواد التموينية والمحروقات والبلديات، وخصصت أموالاً لمكافحة الفقر. وتكبدت الخزينة الأردنية خسائر جسيمة نتيجة لانقطاع إمدادات الغاز من مصر مع توقعات بارتفاع فاتورة النفط إلى نحو أربعة بلايين دولار هذه السنة، إلى جانب النفقات المترتبة على خدمة المديونية الحكومية، سواء منها الداخلية أم الخارجية. وفي المقابل ونتيجة للظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، تراجع دخل السياحة في الأردن بنسبة 10 في المئة هذه السنة، كما تقلصت تحويلات المغتربين أيضا بالنسبة ذاتها، علماً أن هذه التحويلات تدعم ميزان المدفوعات الأردني وترفع مستوى الاحتياطات الأجنبية، وبالتالي تعزز سعر صرف الدينار المرتبط بالدولار. وانخفضت تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتراجعت استثمارات الأجانب في بورصة عمّان التي خسرت نحو 60 في المئة من قيمتها خلال ثلاث سنوات نتيجة للتأثيرات السلبية لأزمة المال العالمية والأوضاع الجيوسياسية في المنطقة هذه السنة. وأدت هذه الخسائر التي تقدّر قيمتها بنحو 22 بليون دينار (31 بليون دولار)، إلى ضياع نسبة مهمة من مدخرات المستثمرين وبالتالي انخفاض قوتهم الشرائية ما أثّر سلباً في الإنفاق والاستهلاك والاستثمار، وبالتالي على أداء الاقتصاد الوطني. وتقود السعودية حملة الدعم لاقتصاد الأردن لتعزيز الأمن السياسي والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي في المملكة، في ظل ظروف سياسية استثنائية وفي ظل موافقة دول مجلس التعاون الخليجي على انضمام الأردن إليها. وقُدّرت المنح والمساعدات هذه السنة بنحو 1.024 بليون دينار معظمها من السعودية. ولا شك في أن هذه المساعدات ساهمت في حل كثير من المشكلات الاقتصادية وفي مقدمها العجز في موازنة الدولة الذي تراجع، في وقت تتطلع فيه الحكومة الأردنية إلى دول الخليج لإعطاء الأولوية للأردنيين في موضوع توظيف العمال لحل جزء من مشكلة البطالة المقدرة نسبتها بنحو 13 في المئة والتي ساهمت في ارتفاعها تداعيات أزمة المال العالمية على معظم القطاعات الاقتصادية الأردنية، وفي مقدمها قطاع العقارات الذي كان يستوعب نسبة كبيرة من العمال، إضافة إلى تراجع الطلب على العمال في دول الخليج. وتتوقع الحكومة الأردنية ضخ مبلغ في المصرف المركزي الأردني بفائدة رمزية، لدعم احتياطات الأردن من العملات الأجنبية. ويعاني الأردن من ارتفاع الفجوة في ميزانه التجاري نتيجة لتفوق قيمة المستوردات على قيمة الصادرات. وفي المقابل يتمتع القطاع المصرفي الأردني، وهو عصب الاقتصاد الوطني، بقوة، ويساهم في شكل واضح في تعزيز أداء القطاعات الاقتصادية على رغم سياسة التحفظ التي ينتهجها منذ بداية الأزمة المالية للحفاظ على حقوق المساهمين والمودعين والدائنين. وارتفعت قيمة القروض الممنوحة من 12.5 بليون دينار في نهاية عام 2008 إلى 14.5 بليون خلال النصف الأول من السنة، بينما نلاحظ في المقابل الارتفاع المتواصل في حجم الودائع لدى المصارف، لأسباب يأتي في مقدمها التخوف من أخطار التوظيف في أدوات استثمارية أخرى أبرزها الأسهم والعقارات، إلى جانب ارتفاع سعر الفائدة على الدينار في مقابل سعرها على الدولار، إضافة إلى استقرار سعر صرف الدينار. وتأمل الحكومة الأردنية بأن تبادر الصناديق السيادية الخليجية إلى استثمار جزء من موجوداتها في القطاعات الاقتصادية الأردنية وسوق عمان المالية لتعزيز أداء الاقتصاد. * مستشار الأسواق المالية في «مصرف أبو ظبي الوطني»