«نظرية الاستعارة التصوّرية والخطاب الأدبي» كتاب للباحث والأكاديمي الجزائري عمر بن دحمان صدر عن منشورات «ميم» ودار رؤية المصرية. وهو كتاب انصبّ فيه الجهدُ على تتبُّعِ حركة الاستعارة وهي تتكوّن نظريةً معرفيّةً، الى تبيُّنِ طرائقِ اشتغالها في النصّ الأدبي. توزّع الكتاب، إضافة إلى مقدّمته وخاتمتيه إلى فصلين: أولهما بعنوان «الاستعارة التصوُّرية» وفيه تمّ تحديد الخلفية النظرية لهذا النموذج المعرفي، وجاء ثانيهما بعنوان «نظرية الاستعارة التصوّرية والخطاب الأدبي» وتكفّل فيه الباحث بتنزيل النظرية ضمن الخطابات الأدبية. مهّد الباحث لفصليْ كتابه بمدخل تفصيلي للمنطلقات الفكرية الجديدة المتصلة بظاهرة الاستعارة عبر تحديد الإطار العام والخاص لانبثاقها، فكان الحديث عن العلم المعرفي بوصفه إطاراً عاماً، وعن الدلالة المعرفية واللسانيات المعرفية من ورائها كإطارين خاصّين تطورت في رحابهما نظريات معرفية عدة قاربت الاستعارة في شكل مختلف عن المقاربات الكلاسيكية. وقد حدّد الباحث مصطلح «معرفة» في ارتباطه بمشروع العلم المعرفي من جهة كونه مجالاً بحثياً متعدّد التخصصات، وأورد بعض التحديدات الخاصة به وبالتخصصات العلمية التي ينطوي عليها، مركّزاً في ذلك على الفرع المعرفي المتّصل أكثر بمبحث الاستعارة، أي «اللسانيات المعرفية». ورأى أن ما سمي الجيل الثاني منها الذي برز في منتصف سبعينات القرن الماضي، وازدهر في سنوات الثمانينات، قد شكّل حاضنة لانبثاق الأفكار الجديدة حول الاستعارة، وبخاصة الأفكار القائلة بتصوّريتها، وبدور الجسد في المعرفة وفي تأسيس النسق التصوري للكائن البشري، هذا النسق الذي أعتبر ذات طبيعة استعارية في جزء كبير منه، ولما كان هو الموجّه للسلوك اللغوي وغير اللغوي فإن الطبيعة الاستعارية له تنعكس بدورها على هذه السلوكات البشرية في شكل طبيعي. وبخصوص المعنى اللغوي مثّلت الدلالة المعرفية ضمن الإطار اللساني المعرفي إطاراً مناسباً لمقاربة المعنى الاستعاري، فبعدما استبعدته المقاربات اللسانية الكلاسيكية عن الدراسة الدلالية، باعتباره معنى ثانوياً غير مباشر ينحصر دوره في المبالغة والتزيين لا غير، وهو كاذب إذا ما قورن بالمعنى الحرفي الموضوعي، أعادته الدلالة المعرفية إلى صميم دراسة المعنى، واعتبرت الاستعارة إحدى الوسائل المعرفية المركزية التي لا يستغنى عنها لفهم العالم وفهم أنفسنا، وإعطاء معنى لما يدور حولنا وداخلنا، بل إنها تساهم في إبداع معانٍ وحقائق جديدة بصفة طبيعية. اتكأ الباحث في دراسته للاستعارة التصورية على نظرية اللساني المعرفي جورج لايكوف (وآخرين)، وهي نظرية تأسيسية للتنظير المعرفي للاستعارة، نظراً إلى بزوغها المبكر مع إصدار كتاب «الاستعارات التي نحيا بها» لجورج لايكوف ومارك جونسون (1980)، وهي من النظريات المبكرة التي استتبعتها نظريات معرفية عديدة مكمّلة لها أو منافسة، وكلّها تنهل من الأفكار الجديدة حول الاستعارة بوصفها ظاهرة ذهنية قبل أن تكون ظاهرة لغوية. وفي هذا الشأن، أورد الباحث في الفصل الأول من كتابه أهم الأفكار التي اقترحها منظروها، وبخاصة ما أورده لايكوف وجونسون في كتابهما التأسيسي. وبعد عرض أفكار متصلة بطبيعة النسق التصوري البشري وهيمنة الاستعارة على جانب كبير منه، سعى الباحث إلى تحديد المصطلحات الأساسية المرتبطة بنظرية الاستعارة التصورية، وبخاصة مفهوم الاستعارة التصورية نفسها، والبراهين التي اعتمدها أصحاب النظرية على وجودها، من خلال تحقّقها في اللغة وفي السلوك البشري غير اللغوي. ومن ثمة عرّج على المفاهيم الجديدة التي برزت مع التطويرات التي لحقت بهذه النظرية، والتي ساهمت كلها في تدعيم أطروحاتها بطريقة نسقية ومنسجمة. ومثّل الفصل الأول من الكتاب قسمَه النظريَّ الذي فسح في المجال للباحث لإجراء بحث تطبيقي خصصه للكيفية التي قاربت بها نظرية الاستعارة التصورية النص الأدبي، وبعد عرض مقترحات لايكوف ومارك تورنر حول الاستعارة الشعرية في شكل خاص، أورد الانتقادات التي وجّهت لمقاربتهما، والنقائص التي لوحظت عليها، وبخاصة ما ارتبط بالاستعارة الجديدة المبدعة، التي لم يولها نموذج لايكوف العناية الخاصة بها، أو أنّ ما تم اقتراحه لم يكن كافياً أو مقنعاً أمام تعقيد الاستعارات المبدعة، وهي التي تعد إحدى المظاهر الجلية في الأدب عموماً وفي الشعر في شكل خاص.