البرامج التلفزيونية الساخرة في عالمنا العربي ارتبط ظهورها مع الربيع العربي، ولعل دولاً مثل مصر وتونس هي أكثر الدول التي ازدهرت فيها هذه النوعية من البرامج التلفزيونية، قد يكون السبب في ذلك هو ارتفاع سقف الحرية الإعلامية في بعض الدول التي مرت بالتغير، على رغم الاتهامات ومحاربة السلطات الجديدة لهذه النوعية من البرامج، ولكن أدوات محاربة هذه البرامج قد تغيرت، إذ نشاهد برامج مضادة مدعوة من تلك الحكومات ضد بعض مقدمي تلك البرامج، كما حدث مع «باسم يوسف» صاحب «البرنامج» الأشهر سخرية في مصر والعالم العربي، الذي وصل إلى حد استجوابه من النائب العام المصري لساعات. البعض يهاجم تلك البرامج بسبب أنها نسخ من برامج مماثلة بالغرب، والحقيقة أن بعضها قد يكون نسخة لبعض البرامج الأجنبية ولكن المحتوى يختلف، فهو يحاكي جمهوراً عربياً له مشكلاته وقضاياه المختلفة، إضافة إلى أن الكثير من برامجنا التلفزيونية، خصوصاً في المجالات الترفيهية وبعض الأفلام العربية القديمة والحديثة مستنسخة من برامج وأفلام أجنبية، يعني أن البرامج التلفزيونية الساخرة لم تأتِ بجديد في ذلك، ولكن السخرية والنقد موجودان في تراثنا العربي بأشكال متعددة، فكم من الشعراء كتبوا قصائد كلها سخرية في الولاة والمجتمعات التي عاشوا فيها، والبرامج التلفزيونية الساخرة في حال وجودة والمساحة التي تتحرك بها تدل على الفضاء الرحب المتسامح الذي يقبل بالنقد على جميع المستويات، في عالمنا العربي التجربة اللبنانية هي الأعرق في هذا المجال لظروف لبنان الرحبة والمتسامحة مع النقد في كل المستويات السياسية والدينية والثقافية، فلبنان كان بلداً يتنفس الحرية في الشرق ولكن بطبيعة ذلك البلد ومكوناته الإثنية والدينية نجد تلك البرامج تستخدم في أوقات الأزمات والصراعات كأدوات له وهو ما حرفها عن رسالتها التي يجب أن تقدم ترفيهياً ونقداً لاذعاً وأن تحقق أرباحاً لمنتجيها ومحطات التلفزة التي تبثها. ماذا عن برامجنا التلفزيونية نحن أهل الخليج، سواء في محطاتنا الرسمية أو الخاصة، الغالب في تلك البرامج هو الجدية والبرامج الرتيبة المعادة في شكلها ومواضيعها وكأننا شعوب تحب السخرية والنكتة، ولكن الواقع يقول ذلك، خصوصاً مع انتشار الوسائط الإعلامية الحديثة من الرسائل البريدية في التلفونات وشبكات التواصل على برامج «واتسأب» مثلاً، فهي غنية بروح النكتة والسخرية على أوضاعنا وثقافتنا وتجد كميات هائلة من النكت تعبر عن روح ميالة إلى الفرح والسخرية لدى شعوب الخليج، هل عدم تبني المحطات التلفزيونية لهذه البرامج هو بسبب تدني سقف الحرية لدينا، ليس إعلامياً فقط ولكن ثقافياً وسياسياً؟ إذ نجد مثلاً أن الإعلام المكتوب، خصوصاً في الأعوام العشرة الأخيرة أصبح يتمتع بمساحة من النقد على جميع المستويات، ولكن البرامج التلفزيونية الساخرة هي بالكاد موجودة في المحطات الخليجية وقد تكون البرامج الحوارية الرياضية في بعض الأحيان هي القريبة إلى مجال السخرية والبعد عن الجدية. قضية مهمة في هذا السياق أن البرامج الساخرة في كل دول العالم لها علاقة بنقد السياسي والمسؤول الرسمي أو الشخصيات العامة التي يوجد في بعض الدول قوانين تشرع وتعطي الإعلام الحق في نقد هؤلاء وبأي شكل، سواء جدياً أو ساخراً، والجميع يعرف أن يقف في درجة نقده لتلك الشخصيات العامة، وإن تجاوز فيمكن أن يلجأ إلى حماية قانونية، لدينا مع الأسف خلط بين مفهوم نقد المسؤول التنفيذي ومفهوم الدولة ككل، فنقد المسؤول ليس بالضرورة انتقاصاً من قيمة الدولة، بل على العكس قد يكون في مصلحتها، ومثل هذه البرامج قد تكون من أقوى الأدوات في عملية النقد البناء الذي يخاطب جميع شرائح المجتمع، فهو بعيداً من النخبوية، أو هكذا يجب أن يكون. للتعويض عن هذا الضعف في البرامج التلفزيونية الساخرة في منطقة الخليج نجد كثيراً من الموهوبين استعاضوا عن المحطات التلفزيونية باللجوء إلى «يوتيوب» المليء بالبرامج والمحطات لبث برامجهم الساخرة والهادفة، وهذا يدل أن روح النكتة والسخرية موجودة لدينا، ولكن قنواتنا التلفزيونية لم تسمح حتى الآن لهم ببث مثل هذه البرامج. [email protected] @akalalakal