كشف مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام، أن نصف المنومات في قسم الأمراض النفسية من العاملات المنزليات اللاتي يتعرضن إلى «ضغوط نفسية كبيرة»، لافتاً إلى أن كثيراً من كفلاء هؤلاء العاملات يرفضون التواصل مع المجمع، بعد أن يسلموا العاملة المريضة لهم. فيما كشفت عاملات عن معاناتهن مع الأسر التي عملن في منازلهم، إذ يُطلب منهن العمل بما يفوق استطاعتهن، وتستغل حال «الفقر والعوز والحاجة» التي تشكو منها معظمهن، ما يدفعهن إلى العمل بلا كلل أو ملل. وتصف العاملة كارني (آسيوية)، حالها في منزل الأسرة التي عملت لديها: «كانوا يطلبون مني العمل كما لو كنت آلة لا كيان لها»، مضيفة «جئت إلى السعودية منذ 13 سنة، وفوجئت بنظام العمل ووتيرة الحياة، ولم أكن أملك ثانية أنظر فيها إلى نفسي في المرآة، لأنها من الممنوعات عني، وكل تصرفاتي محسوبة، لكنني يوماً بعد يوم تأقلمت على نمط الحياة، فالأسرة تعلقت بي، كما أنا، ولم يعد بوسعي الانصراف عن العجوز التي أحسنت لي». وعلى النقيض منها حسناء، التي فرت هاربة بعد سرقة مجوهرات سيدة منزلها، مقرة بذنبها «كان بوسعي الاستمرار مع العائلة التي عملت فيها ما يربو على العامين، لكن الأمر شبه مستحيل». صمتت برهة «يذكرونني في كل لحظة أنني عاملة، وكثيراً ما غصّ قلبي بكلمات مؤلمة تسيل دموعي ليلاً، وأعمل في الصباح لدى والدتها، وفي العصر لدى حماتها، وحين عودة رب المنزل من الدوام، يبدأ الهم الثالث». واعترفت أنها حينما هربت «تركت خلفي راتبين، استغنيت عنهما من أجل حريتي، فلقد أجبرهم فراري على ترحيلي، كانت عائلة لا تحترم عملي». أما سعدية، فهي حكاية منفصلة متصلة مع الأخريات، «حولتني ظروفي من مصففة شعر، إلى مربية أطفال وطاهية وعاملة». تنهدت قليلاً لتقول: «شرحت لربة المنزل صعوبة الحال، فهي كثيرة الخروج، وكثيراً ما تلقي بهموم المنزل على رأسي، وتحولت بفعل إهمالها إلى أم لأطفالها، وترتب على عدم مبالاتها وتقصيرها تعلُّّق الزوج بي، ورضيت الأم أن تمنحني كل الأدوار. وحينما قاربت على أخد دورها رمتني خارج المنزل رافضة منحي أجرة عام كامل». بدوره، كشف استشاري الطب النفسي مدير الخدمات العلاجية في مجمع الأمل للصحة النفسية في الدمام الدكتور وليد الملحم، في تصريح إلى «الحياة»، أن «عدد النزيلات في قسم النفسية من العاملات المنزليات يشكل في بعض الأحيان النصف»، لافتاً إلى أن عددهن يتراوح بين «15 إلى 20 نزيلة من مجموع عدد المريضات المنومات». واعتبر تخوف الكفلاء من عدم استقرار حالهن، على رغم تأكيد الأطباء ذلك، «سبباً في تعثر إجراءات خروجهن». وزاد «يواجه المستشفى صعوبة في الاتصال بالكفيل، ما يؤدي إلى إحالة العاملة إلى إدارة الترحيل في الجوازات». وأضاف الملحم، «يضطر المستشفى في بعض الأحيان إلى الاستعانة بموظفي سفارات الدول، بسبب كثرة الحالات التي يتم استقبالها، لاسيما أن بعضها يمكث ما يربو على 6 أشهر من دون الحاجة إلى ذلك»، موضحاً أن «العاملات المصابات باضطرابات نفسية يُعرضن على اللجنة الطبية النفسية في المجمع، للبت في إمكان استمرارهن في العمل من عدمه، كدليل يثبت حق الكفيل في الحصول على تعويض من الجهة التي استقدم منها». وشدد مدير الخدمات العلاجية في مجمع الأمل، على أهمية «مراعاة حالة العاملة قبل استقدامها، فهي جاءت مضطرة وتعاني ظروفاً اقتصادية خانقة، وفي حال عوز شديد للمال، لتوفير زادها وقوت عيالها، ومن المتوقع أن تقترض كي تدفع للمكتب الوسيط في بلدها، لتعمل في بلد مغاير لعاداتها وتقاليدها، في غربة تدفعها للبعد عن محيطها وفلذات كبدها، لتعمل ضمن محيط لا تعلم مسبقاً كيف سيتعامل معها»، مشيراً إلى أن توترها السابق يجعلها «عرضة للاضطراب النفسي، كونها مجبرة على العمل في وسط لا تعلم عنه شيئاً، فضلاً عن ذلك؛ فبعضهن يعانين اضطرابات نفسية قبل مجيئهن، بسبب الظروف الاقتصادية، والمستوى المعيشي الذي تتطلبه الغربة والعمل الشاق». ويستقبل المجمع العاملات «المصابات باضطرابات نفسية، ناتجة من عدم قدرتهن على التأقلم، فيظهر القلق والاكتئاب وأعراض ذهانية شبيهة بالجنون، إذ يتم إحضارها إلى المستشفى من طريق كفيلها أو الشرطة بعد هروبها من المنزل، ويتم تقييمها تقييماً شاملاً في الطوارئ النفسية، ويتم إدخال الحالة التي تستدعي الدخول إلى المستشفى، خوفاً من حدوث ما لا يحمد عقباه حتى تستقر الحالة». ونصح الملحم، ب «استقدام العاملات المنزليات عند الضرورة الملحة فقط»، وحذر من الاعتماد عليهن في كل شيء «لكونهن مساعدات، ولسن مديرات منازل، لاسيما فيما يخص تربية الأطفال»، منوهاً إلى أهمية «احتوائهن، والعطف عليهن، وصرف مستحقاتهن بانتظام. كما يملي علينا ديننا الحنيف».