ذهب مبكراً إلى مقهى «الحرية» فوجد قليلاً من الزبائن. اتخذ مكانه شرق الشمس، وجلس بلا انفعالات محددة، كأنه فراغ اتحد مع فراغ المقهى، أو كعابر سبيل من أولئك الذين لا يكفون عن السير بمحاذاة الرصيف وتعكس المرايا أجسادهم مشوهة أحياناً. من وجهة نظره، كان ينتظر صديقاً، ومن وجهة نظرنا، فإنه كان ينتظر «غودو»، كما قال بيكيت. عموماً لا يهم ذلك الأمر في شيء الآن، لأن النادل - ويليام - باغته فجأة وانتزع منه أول مشروب وهو قهوة سادة. المقهى بدأ في الازدحام. بطل قصتنا وضع قدماً على قدم وصار يتطلع إلى الزبائن، مضى الوقت كالسيف سريعاً وسط ضوضاء الثرثرة ودخان السجائر. في بحر عدد من الساعات فعل الآتي: الذهاب إلى الحمام أكثر من ثماني مرات، الاتصال - طبعاً بلا جدوى - بمن يزعم أنه صديقه أكثر من خمسين مرة، تحسس جيوبه عشر مرات نتيجة التردد في طلب مشروب آخر، ولكن ما الجدوى وهو ينتظر الآخر بهدف استعارة النقود منه؟ فجأة اتصل به صديقه وأعلن عن قدومه بعد نصف ساعة. دبّ الأمل في عروقه، فتشجع وطلب قهوة أخرى، ولكن كيف للرياح أن تأتي بما تشتهي السفن؟ بذلك الهدوء النسبي بدأت تدور برأسه أشياء هي: يأتي الصديق فيقترض منه النقود. يشتري سجائر، ثم يذهب إلى المستودع. في الغد يذهب إلى أمه في القرية - تلك العمياء الوحيدة - يأخذ منها ما معها من مال، ليدفع إيجار غرفته الكائنة فوق سطح إحدى بنايات وسط البلد. بعد ساعة حاول الاتصال بصاحبه ولكن الموبايل دائماً مغلق، بمرور الوقت صار مكانه من شرق الشمس إلى غرب الشمس. هنا حانت لحظة ويليام في تبديل الوردية، وغاص هو في القلق آلاف المرات. ترك ويليام من لم يدفع لوردية عم سعد. الليل غطى القاهرة وابتلع أحلام المفلسين، تحرك كفرخ دائخ تجاه عم سعد وأخذه «على جنب»، وبلا شرح ترك ساعته رهناً لما شربه ومضى. لم يعد للمقهى ولم نعرف حتى من يكون صديقه المزعوم، ولكن عم سعد كان كل يوم في المقهى والساعة في يده اليسرى تذكره دائماً بأناس كثيراً ما يفضحهم عندما يقول بصوت مرتفع: - بيعملوا بهوات والواحد فيهم مفيش في جيبه جنيه.