مجلة (نيتشر) العلمية نشرت دراسة في 2022، على أميركا والصين، شملت 59 مدينة صينية ومليونًا وخمس مئة ألف مواطن أميركي، لمعرفة تأثير المناخ ودرجة الحرارة على الشخصيات، وجاء في نتائجها؛ أن الاشخاص في المناطق الدافئة سجلوا معدلات عالية من الاستقرار العاطفي، ومن المرونة والاستكشاف والانفتاح على التجربة والآخر، مقارنة بغيرهم في الأماكن الباردة أو الأقل في حرارتها، ولو كانوا في ذات الدولة.. أعتذر ممن سيقرأ مسبقاً، ولكنها حقيقة علمية مثبتة بالدليل والتجربة، فقد نشرت جامعة بروكسل البلجيكية دراسة عام 2015، أكدت فيها وجود تشابه بين الصراصير والإنسان، وتحديدا في أنماط وسمات الشخصية، وأن هناك صراصير شخصياتها خجولة وحذرة، وأخرى جريئة ومحبة للاكتشاف، ولاحظوا في الأولى عدم مغادرة المخبأ لوقت طويل، وأنها لا تحاول اكتشاف البيئة المحيطة بها، بينما الثانية خارج المخبأ غالباً ومشغولة بمحيطها، وتميل للمغامرة والمخاطرة، والشخصيات بحسب نظرية السمات، لا تخرج عن خمسة أنماط رئيسة، ويسمونها بالخمسة الكبار، وقد يوجد أكثر من نمط في شخصية واحدة، إلا أن أستاذ علم النفس الكندي غوردن بيترسون له رأي مختلف نسبيا، وهو يعتقد أن النظرية السابقة عليها تحفظات، وبالأخص في سمتي القابلية للوفاق والعصابية، وفي رأيه، فالنساء إجمالا أقل قابلية للوفاق بنسبة 40 %، وأكثر عصابية بنسبة 60 %، مقارنة بالرجال، واتفق معه من حيث المبدأ، بالنظر للتغيرات البيولوجية وتأثيراتها، وبالتأكيد النساء لسن نسخة واحدة وبينهن من تقدر على ضبط أمورها وموازنتها. بالإضافة لموضوعي السمات والصراصير، يوجد من يحيل اختلاف الشخصيات لجوانب مختلفة، كترتيب الأطفال في العائلة، مثلما تقول الاستشارية عصمت جوسو، وفي رأيها الابن الأكبر لا يشبه الأوسط وكلاهما يختلفان عن الأصغر، والمسألة تتعلق بطريقة التربية، والمعنى أن الابن الأكبر أكثر استقرار وثباتا، ويصنف باعتبار السلطة الثانية أمام إخوته بعد والديه، والأصغر يقوم بدور الواشي، أو من يفضح تصرفات إخوته وخصوصياتهم، وهذا يشعره أنه صاحب سلطة رمزية، وتربيته تتم في الغالب بمعرفة إخوته، أو عن طريق المؤسسات التربوية والمجتمع، وخصوصا إذا كان فارق السن كبيرا بينه وبين إخوته، من نفس الظهر والبطن، وما سبق في رأيي، ينطوي على صدقية عالية. محاولات الكشف عن أسرار الشخصيات ودلالاتها لا تتوقف، فقد قام باحثون في علم النفس من جامعتي كامبريدج وماغنا غريسيا الإيطالية عام 2017، بدراسة الاختلافات في قشرة الدماغ الخارجية، والمعروفة باسم المادة الرمادية، ودورها في الإصابة بالاضطرابات العصبية، وشارك فيها 500 شخص تتراوح أعمارهم ما بين 22 و36 عاماً، وتم نشرها في مجلة (سوشال كوغنيتف)، والتركيز كان على المسوح المجراة عليها، وقد لاحظوا أن الشخصية المزاجية، تمتاز بوجود قشرة أكثر سماكة، ومساحة سطحها أصغر، وثنياتها أقل، وأنها ترتبط بالأمراض والاضطرابات العصبية، بينما الشخصية المنفتحة فكريا قشرتها أنحف، ومساحة سطحها وثنياتها أكبر، وأصحابها يملكون الرغبة في الاطلاع والإبداع، والسابق يفيد في عدم إهدار الوقت مع أشخاص لن يؤثر فيهم الكلام، أو محاولات الإقناع، لأن أدمغتهم ليست مهيأة فسيولوجياً. من جانبه صنف توماس أريكسون الشخصيات إلى حمراء وصفراء وخضراء وزرقاء، وذلك في كتابه الأشهر: محاط بالحمقى، المنشور عام 2014، والذي وزع أكثر من مليون نسخة حول العالم، وأصحاب الشخصية الحمراء، في اعتقاده، عواطفهم قوية في الحب والشغف والغضب، ويميلون إلى السيطرة والهيمنة والقيادة، وهم متسرعون ولا يفضلون كثرة الكلام، ولديهم قدرة هائلة على الإقناع، ومن الأمثلة عليهم؛ أدولف هتلر، وستيف جوبز، واللاعب الأسطورة في كرة السلة الأميركية مايكل جوردن، وأصحاب الشخصية الصفراء، منفتحون واجتماعيون ومسكونون بالطاقة والتقاؤل، وشخصياتهم ملهمة ومؤثرة في محيطها، إلا أنهم فوضويون، ولا يلتزمون بالمواعيد، وتستبد بهم الثرثرة، ومن النماذج عليهم، النجم الأميركي كيفن هارت، وأوبرا وينفري، والكوميديان الراحل روبن ويليامز. لم يبقَ إلا أصحاب الشخصيات الخضراء والزرقاء، والمجموعة الأولى ودودة وهادئة ومتأنية وتميل لمساعد الآخرين، وتصرفاتها عفوية، وتتقن فن الإنصات، ولكنها قد تتهم بالنفاق والتلون بسبب ما تعانيه من حرج في الانتقاد المباشر للآخرين، واكتفائها بالفضفضة أو الشكوى منهم لغيرهم، والمجموعة الثانية ثابتة وواثقة ودقيقة وباردة كالثلج، ولا تهتم بالأضواء ولا الشهرة، ولديها قدرة متفوقة على التحليل، ومن أعلامها البرت أينشتاين، مع ملاحظة أن الشخص قد يكون خليطا من كل هذه الشخصيات، وبنسب متفاوتة، وربما غلبت على سلوكياته الشخصية الأعلى في نسبتها، أو كما قال أريكسون. الأعجب دراسة نشرتها مجلة (نيتشر) العلمية في 2022، على أميركا والصين، وشملت 59 مدينة صينية، ومليونا وخمس مئة ألف مواطن أميركي، لمعرفة تأثير المناخ ودرجة الحرارة على الشخصيات، وجاء في نتائجها؛ أن الأشخاص في المناطق الدافئة، التي تكون درجات الحرارة فيها أقرب إلى 22 درجة مئوية، سجلوا معدلات عالية من الاستقرار العاطفي، ومن المرونة والاستكشاف والانفتاح على التجربة والآخر، مقارنة بغيرهم في الأماكن الباردة أو الأقل في حرارتها، ولو كانوا في ذات الدولة، وبالتالي فالحرارة تمثل عاملا بيئيا حاسما، فيما يخص الأنماط السلوكية عند الناس، وفي تحديد أنواع شخصياتهم، استنادا للدراسة.. ومن وجهة نظري، يمكن الوقوف على ذلك في دراسة سلوك سكان السواحل والصحراء، ومعهما سكان الأماكن الباردة طوال العام في المملكة، ومن ثم قياس الفوارق بينهم، ولا أحتاج إلى الدخول في تفاصيل أكثر بدون أدلة علمية.