الحراك الثقافي والتاريخي الذي تشهده دارة الملك عبدالعزيز يلفت انتباه المتابع والمهتم بالتاريخ، فهو حراك يتجاوز التعاطي التقليدي مع تاريخ الوطن، ليعكس رؤية عميقة تضع صناعة الوعي بالتاريخ واستلهامه في كل شؤوننا في قلب الاهتمام، وهي رؤية نرى أنها باتت ضرورة لازمة، فالمملكة بتاريخها وموقعها الجيوسياسي، وكذلك الاقتصادي والروحي يجعلها مناط اهتمام العالم، وقِبلته التي تهوي إليها أفئدته. من هنا، وتعزيزاً لجذورنا وهويتنا الأصيلة الضاربة في عمق التاريخ الحضاري، نجد تحرّكاً واعياً صوب التاريخ لترسيخه واستثماره، لتقديم قصتنا وسرديتنا الحضارية والعربية الإسلامية العميقة. من هنا فإن ما شهدناه أول من أمس من حفل اختتام دارة الملك عبدالعزيز النسخة الأولى من «مختبر التاريخ الوطني»، الذي تم فيه تتويج الفائزين في مسابقة مختبر التاريخ الوطني، والتي انطلقت برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز، ليعكس مشهداً ثقافياً بديعاً تتمازج فيه الأصالة والتجديد، والتقى فيه الماضي العريق بالمستقبل عبر عدسة الابتكار. وقد أذكت هذه المنافسة في خدمة التاريخ والتعاطي معه بشكل إبداعي خلاّق، روح التنافس وتقديم الأجود، وسجّل طلبة الجامعات السعودية حضوراً وطنياً مهماً عكس شغفهم بالتاريخ، وبخدمة وطنهم عبر تقديم أفكار تتسم بالجِدّة والإبداع، والفرادة، وخاضوا في سبيل ذلك تحديات فكرية وتقنية لتقديم حلول مبتكرة تبرز هوية المملكة بأساليب عصرية. ولعل في دلالة الاسم الذي وسمت به المسابقة «المختبر» ما يجعلنا نصل ليقين وقناعة راسخة بأن هذا المختبر لم يكن مجرد مساحة لاستعراض الأفكار، ولم يقتصر دوره على أن يكون منصة عابرة أو عادية فقط، بل كان منصة إبداعية أعاد طلبتنا المبدعون صياغة العلاقة مع التاريخ، وتضافرت جهود أكثر من أربعين جامعة وجهة وطنية شاركت في إثراء المشهد الثقافي بمبادرات تستلهم التراث السعودي وتعيد تقديمه عبر أدوات التكنولوجيا والفنون الحديثة. ومن اللافت أن من بين هذه المشاريع الفائزة ما تميز من تطبيقات رقمية وخدمات إبداعية تعكس رؤية جيل جديد يعي أن التاريخ ليس مجرد ماضٍ يُحفظ، بل مستقبل يُبنى بوعي وإبداع. ولعل من المبهج أن هذه المبادرة جاءت منسجمة ومتماهية مع الرؤية العظيمة رؤية 2030، التي انسحبت على جميع مناحي حراكنا التاريخي والإنساني والاقتصادي، لتثبت مجدداً بأن الدارة تضطلع بدور محوري وتاريخي في إبراز تاريخنا وصونه وتقديمه بطريقة إبداعية وعصرية تواكب ما نشهده من تميز وريادة على جميع المستويات، مدعّمة هذا الحراك بأرقام وشواهد وإحصاءات تعكس تلك الريادة والأفضلية لا على النطاق العربي والإقليمي فحسب بل ريادة عالمية جعلت من بلادنا نموذجاً يسعى الجميع لاحتذائه، وتطبيقه، ونمذجته. اليوم تؤكد الدارة بشكل عملي؛ بأن موروثنا لا يحفظ ويصان بطرق تقليدية؛ بل إنه يتجاوز الشكل التقليدي، وبات يعتمد على أحدث ثمرات العقل المبدع، وأحدث التقنيات؛ وهو ما نجح فيه ببراعة «مختبر التاريخ الوطني».