أمريكا: نمو الاقتصاد يتباطأ بأكثر من المتوقع    بعد تدخل الوسطاء.. إسرائيل تتراجع وتحدد موعد إطلاق الأسرى الفلسطينيين    الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل سوق المواهب العالمية وتفرض تحديات جديدة    رغم تثبيت الفائدة.. غرام الذهب يصعد 2.82 ريال    السلطات الأمريكية: لا ناجين من حادثة تصادم الطائرات    فانتازي دوري روشن يتوقع نجوم الجولة 18.. من يخطف الأضواء ؟    أمير حائل يطلق كأس العالم للراليات على أرض النفوذ    حكيم زياش ينضم رسميًا إلى الدحيل القطري    شراكات جديدة بين هيئة العلا ومؤسسات إيطالية رائدة    سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 12415.49 نقطة    ملك وولي عهد البحرين وممثل أمير الكويت يعزون في وفاة الأمير محمد بن فهد    ليندو السعودية تحصل على 690 مليون دولار أمريكي من جيه بي مورغان    وزير الخارجية يتلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الروسي    القيادة تهنئ أحمد الشرع برئاسة الجمهورية العربية السورية في المرحلة الانتقالية    تتيح لهم حضور الجلسات القضائية بالصوت والصورة.. «العدل» تُطلق مبادرة خدمات السجناء    الأمين العام لمجلس الشورى رئيسًا بالتزكية لجمعية الأمناء العامّين للبرلمانات العربية    حرس الحدود بمنطقة عسير يحبط تهريب 450 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    وزير الخارجية يستقبل وزير خارجية المالديف    استشاري طب نفسي: 10% من مشاهر شبكات التواصل مصابين بالانفصام    بعد ساعات من تنصيب الشرع.. أمير قطر في دمشق    تجمع القصيم الصحي يفوز بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية السعودي 2025    "مفوض الإفتاء بمنطقة حائل":يلقي عدة محاضرات ولقاءات لمنسوبي وزارة الدفاع    أمانة القصيم تستعرض إنجازاتها لعام 2024 بإبرام عقود استثمارية    أعضاء مجلس الإعلام الرياضي بضيافة مهرجان التمور بالاحساء    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم مبادرة " تمكين المرض"    ترامب يأمر بإعداد منشأة في قاعدة غوانتانامو لاحتجاز 30 ألف مهاجر غير شرعي    الديوان الملكي: وفاة الأميرة وطفاء بنت محمد آل عبدالرحمن آل سعود    وزارة الشؤون الإسلامية تقيم يومًا مفتوحًا للمستضافين في برنامج ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة    الأرصاد: سحب رعدية ممطرة على مرتفعات مكة والجنوب وأمطار خفيفة بالرياض والشرقية    المفتي للطلاب: احذروا الخوض في منصات التواصل وتسلحوا بالعلم    سيراً على الأقدام .. المستكشفة «موريسون» تصل العلا    لأول مرة.. إطلاق التقويم المدرسي برياض الأطفال والطفولة المبكرة والتربية الخاصة    «بينالي الفنون» يُثري زواره بكنوز الحضارة الإسلامية    مجمع الملك سلمان العالمي يُطلق «تقرير مؤشر اللغة العربية»    عشر سنبلات خضر زاهيات    البهكلي والغامدي يزفان "مصعب" لعش الزوجية    إعلان أسماء الفائزين بجائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام للعام 2025    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال (15) إلى سوريا    محمد المنجم رئيس نادي الشباب ل(البلاد): هدفنا التتويج ب «كأس الملك».. و «الليث» عائد بين الكبار    وسط حضور فنانين وإعلاميين .. الصيرفي يحتفل بزواج نجله عبدالعزيز    مختبر تاريخنا الوطني    غداً.. محمد عبده يُجسد فلسفة الخلود الفني على مسرحه في الرياض    أمير حائل يناقش خطط القيادات الأمنية    لذة الوحدة الوطنية    بوتين: المفاوضات مع أوكرانيا ممكنة دون زيلينسكي    الشخصيات الترويجية ودورها في التسويق    «السياحة الثقافية».. عندما تصبح الفنون جواز السفر    شخصية الصرصور    إطلاق حملة للتبرع بالدم في الكورنيش الشمالي بجازان    «الجوازات» تستقبل المعتمرين في ينبع    خطورة الاستهانة بالقليل    الإرجاف فِكْر بغيض    حسام بن سعود يستعرض مشروعات المندق    الشباب يتعاقد مع البرازيلي لياندرينهو    وزير الموارد البشرية يكرّم 30 منشأة فائزة بجائزة العمل في نسختها الرابعة    الشيخوخة إرث وحكمة    انطلاق مؤتمر السكري والسمنة في جدة «5 فبراير»    أهالي الشرقية ينعون الأمير محمد بن فهد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطورة الاستهانة بالقليل
نشر في الرياض يوم 30 - 01 - 2025

العناية بالقليل من الخير لا تعني الاقتصارَ عليه، بل تُعينُ على الإكثار المحمود وتدرِّب عليه، وقد قالت العرب: (التمرة إلى التمرة تمرٌ، والذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إبلٌ)، ومن عجز عن القليل فهو عن الكثير أعجز، وصدق من قال: ومتى تفعلُ الكثيرَ من الخيْرِ إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهْ..
الأعمال النافعة مطلوبة؛ لما تتضمنه من المصالح، والضارة مجتنَبَة؛ لما فيها من المفاسد، والذي ينبغي للعاقل به أن يعوِّدَ نفسَه على إتيان النافع بحسب الطاقة، واجتناب الضارِّ على حسبِ الوُسعِ، والموفَّق لا يستهين بأيٍّ منهما، فلا يزهد في شيءٍ من الخيرات بحجة أنه قليل، ولا يحتقر شيئاً من الشّرور؛ بدعوى أنه هيّنٌ خفيف الوقع، بل يبذل جهوده في تحصيل منافع معاده ومعاشه بنيةٍ صالحةٍ، وطويَّةٍ نقيّةٍ، ولا تَقْعُد به مراعاة معيار القلة والكثرة عن بذل الجهد في ذلك، كما أنه يكفُّ نفسه عن المضارِّ، ولا يتشجع على قليلها، والمفْرِط من يزهد في قليل الخير مُقنعاً نفسَه بأنه ينتظر الفرصة لإنجاز كثيره، ومن دأب على هذا حتى صار عادة متحكّمةً فيه أورثه شحّاً مطاعاً، فقصارى الشُّحِّ أن لا تسمحَ النفسُ بالخيراتِ الخفيفة الكُلفةِ، كبشاشة الوجه والكلمة الطيّبة، وبالمقابل لا يُبالي المفرط بالإصرار على ما يراه شرّاً صغيراً؛ لزعمه أن أثره محدودٌ، فهو من جهةٍ يحتجُّ بالقلةِ للهربِ من فعل الصواب، ثم يحتجُّ به مرةً أخرى للإقدام على التّمادي في الأخطاء، وكفى هذا استسلاماً للهوى، ولي مع الاستهانة بالعمل القليل وقفات:
الأولى: قلة العمل في معيار الحسِّ يجبرُها ما يصاحبه من قصد الخير وإخلاص النيّة لله تعالى، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعُونَ خَصْلَةً أَعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ، مَا مِنْ عَامِلٍ يَعْمَلُ بِخَصْلَةٍ مِنْهَا رَجَاءَ ثَوَابِهَا، وَتَصْدِيقَ مَوْعُودِهَا، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهَا الجَنَّةَ» أخرجه البخاريُّ، فهذه الخصال الأربعون أكبرها أن يترُكَ الإنسانُ لأخيه شاتَه لينتفع بحليبها ثم يردّها إليه، ومعلومٌ يُسرُ هذا فما بالكم بما هو أدنى منه بأربعين درجة، وكلُّ واحدةٍ منهنَّ بانفرادها يمكن أن تكونَ سبباً في دخول الجنَّة، ومما يرفع شأنَ العمل المبادرةُ به في المكان والوقت المناسبين حيث يسدُّ المسدَّ المطلوب، كما يحصل للذين يتمتعون بسرعة البديهة وروح المبادرة، فينتبه أحدهم لتصرفٍ ميسورٍ يُزيحُ به غمّةً أو يُنقذُ روحاً، أو يُقدِّمُ للجهات المعنيَّة معلومةً تدرأ المفاسد، أو بلاغاً يحفظ الأمنَ والسِّلم، وهذا ينبغي أن يدفع المسلمَ إلى تنويعِ الخيراتِ وبذلِ الميسورِ منها بإخلاص النية، وبالمقابل لا يستهينُ بالقليل من الشرِّ، فاللهُ تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، فإن غلبتْه نفسُهُ على بعض صغائر الشرور لم يصرَّ عليها، ولم يحاول التهوين منها، وبهذا يكون متردداً في كل أحواله بين حسناتٍ ميسورةٍ يسرُّ بها، وصغائر مغمورةٍ يستاءُ منها، ويعزمُ على تفاديها، وهذا من علامات الإيمان، كما في حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (وَمَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ) أخرجه الترمذي، وصححه الألباني.
الثانية: العناية بالقليل من الخير لا تعني الاقتصارَ عليه، بل تُعينُ على الإكثار المحمود وتدرِّب عليه، وقد قالت العرب: (التمرة إلى التمرة تمرٌ، والذَّوْدُ إلى الذَّوْدِ إبلٌ)، ومن عجز عن القليل فهو عن الكثير أعجز، وصدق من قال:
ومتى تفعلُ الكثيرَ من الخيْرِ إِذَا كُنْتَ تَارِكًا لِأَقَلِّهْ
ومَنْ أهمل الأساسات لم يتماسك بنيانه، والأعمال منها ما حدَّ له الشرعُ مقداراً بعينه لا يُجزئ أقلُّ منه، ولا يُزادُ عليه، وهذا لا خيارَ للعبد في تقليل ما يظنه منه كثيراً، وتكثير ما يظنه قليلاً، ومنها ما أطلق الترغيب فيه، وقيّده بقاعدته العامّة من الوسطيّة وتَرْكِ الإفراط والتفريط، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً)، وكما أن خيارَ الناسِ هم القدوة في فعل الخيرات العظيمة البعيدة المنال، والتي يظلُّ من رآها أو بلغته مندهشاً بروعتها وعظمتها، فكذلك هم القدوة في تنوّع العمل والمواظبة على مبادئ الخير التي يسع الجميع تعاطيها، ولا تُكلّفُ جهداً ولا مالاً، وذلك كدماثة الخلق ولين الجانبٍ، وحبِّ الخيرِ للخاصّة والعامّة، ولزوم جماعة المسلمين والوفاء لولي أمرهم، وكفِّ الأذى عن الخلق، وبذل الكلمة الطيّبة، والتزام قواعد التعايُش.
الثالثة: الشّرُّ بطبيعته فظيعٌ؛ لخروجه عن حدِّ المسموح به شرعاً ونظاماً وعرفاً، وإنما تتفاوت درجاته بحسب ما يترتّب عليه من المفاسد، وقولهم: (بعض الشّرِّ أهون من بعض) لا يعني أن الأهون هيّنٌ، فلا يُعذرُ من أُغريَ به، ومن الشرِّ الذي يكثر التهاونُ به إطلاق اللسانِ في أذيّة الناسِ، وهو شرٌّ عميقُ الأثر، ولا يُلتفت إلى تهوينه من طرف المؤذي؛ ولهذا قال الله تعالى عن إفك أهل الإفك: (وتحسبونه هيِّناً وهو عند الله عظيم)، ويتعاظمُ ضررُ القول بقدر مساسِهِ بالثوابت الدينية والوطنية، وأمنِ الوطن ومكانة قيادته، وسلامة الفرد وكرامته، فكلمةٌ واحدةٌ من هذا النوع تجرُّ وراءها الكثير من المفاسد، مما يوجب الكفَّ عنها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.