كان خوسيه في سن الثالثة عشرة عندما انضم إلى عالم ال"مارا" السري، هذه المجموعات الإجرامية التي يعرف عنها عنفها الشديد، وتنشط خصوصاً في أميركا الوسطى، وتضم عشرات آلاف الشبان الذين يحملون مصيرهم على شكل وشم مرسوم على اجسادهم: "الموت". ويقول هذا الشاب إن "العصابة أشبه بالعائلة". ويعيش خوسيه البالغ حاليا 26 عاماً في سان سلفادور، حيث يحاول أن يطوي صفحة الماضي عن طريق الدراسة وانضمامه الى كنيسة إنجيلية. وقام خوسيه بعمليات إتجار بالمخدرات وابتزاز وتهديدات، قبل أن يدخل السجن بتهمة القتل. يقول "عندما كنت في الداخل (العصابة)، لم أكن أفكر انني سأتسبب ببكاء أطفال وزوجات وأمهات وآباء". ويطبع الموت أسلوب حياة أفراد هذه العصابات التي أصبحت تمثل تركيبات معقدة للجريمة المنظمة في "مثلث الموت"، هندوراس وغواتيمالا وسلفادور، حيث يتم تسجيل مستويات قياسية لجرائم القتل. وأعنف هذه العصابات هي "مارا سالفاتروشا" و"باريو 18" اللتان تحظيان بتنظيم هرمي على شكل خلايا متفرقة تسيطر على أحياء بكاملها مع لغات وقواعد سلوك خاصة. وأبرز علاماتهم الفارقة هي الأوشام التي تغطي أجسام الكثير من عناصر هذه العصابات من الرأس الى أخمص القدمين، إضافة الى الرسوم على الجدران التي تحمل الشعار الشهير "أنظر وأسمع والزم الصمت". ويشير خايمي مارتينيز مدير أكاديمية السلامة العامة في سلفادور لوكالة "فرانس برس" الى أن أفراد هؤلاء العصابات لديهم "أشكالهم الخاصة من التواصل المرمز: كتابياً وشفهياً وحركياً، ما يندرج في إطار ثقافة فرعية مع مؤشرات واضحة الى بنية منظمة". ويحاول الخبراء فك رموز هذه الأوشام: "18" أو "13" أو "أم أس"، وهي رموز تدل الى الإنتماء لعصابات معينة. كذلك ترمز الدموع السوداء الى عدد جرائم القتل المرتكبة والصلبان لعدد الشركاء المقتولين والمهرجين الى الأفراح والأتراح، والجمجمة الى الموت. ويوضح وزير داخلية غواتيمالا السابق كارلوس مينوكال أن ال"وياس" هي الرسائل الرئيسية التي تضم الأوامر الواجب تنفيذها. كل رجل لديه اسم مستعار للتعريف عن نفسه، وكل عصابة لها حركيتها. ويقول خوسيه "الدخول الى "مارا" (عصابة) لا يكلف شيئاً، المشكلة تكمن في كيفية الخروج منها. عندما يريد أحدهم الخروج، يبحثون عنه لقتله، ليس فقط هو بل أقرباؤه أيضاً". وتتمثل طقوس الدخول الى العصابة بضرب بالعصا ل13 أو 18 ثانية تبعاً للمجموعات أو بواجب قتل أحد الخصوم. ويشير مينوكال الى أن الفرد في هذه العصابات يجب أن يكون له خصوم وأن يكون قد تعرض للضرب وأن يكون مسلحاً. وفي داخل المجموعة، لكل فرد وظيفته (رئيس خلية أو مسؤول عن الترصد أو جندي...) ويتم تحديدها ضمن مصطلحات معينة. ويلفت خوسيه الى أن "القادة الكبار (الذين غالباً ما يكونون في السجن) يواصلون إصدار الأوامر، بوجود شخص من الخارج يعلمهم بما يحصل. رئيس الخلية ينظم "اجتماعاً" كل أسبوع للتحدث عن الخطوات وتخطيط كل شيء: جرائم القتل وعمليات الابتزاز. كل عنصر يعرف مهتمه يوماً بيوم". وتسبب انتشار هذه العصابات بهرب سكان من أحيائهم ليحتلوا بعدها منازلهم المهجورة للسكن وتنظيم خطواتهم أو تعذيب خصومهم. كذلك، يتلقى كل فرد من هذه العصابات مبلغاً مالياً بشكل أسبوعي لدفع ثمن الطعام والملبس وإرسال الأموال لعائلاتهم، وفق هذا الشاب. وثمة حضور نسائي في هذه العصابات أيضاً. وعلى هؤلاء النسوة رسم أوشام بأسماء أزواجهن والتفرغ لعمليات النصب والمحاسبة. وبعدما كان أفراد هذه العصابات يرتدون ملابس فضفاضة في السابق، باتوا اليوم يظهرون بملابس عادية وأوشامهم في كثير من الأحيان غير ظاهرة، وذلك لعدم إثارة شكوك الشرطة. ويوضح وزير داخلية غواتيمالا السابق أن هؤلاء العناصر "مولعون بالمسدسات من عيار 9 ملم ورشاشات "ايه كاي 47" والبنادق من عيار 12 ميلمتراً التي يجدونها بسهولة في السوق السوداء". وظهر نشاط عصابتي "مارا سالفاتروشا" و"مارا 18" اللتين همشتا بسبب طابعهما الإجرامي وتطورتا بسبب الفقر وفشل السلطات العامة والتفكك العائلي، لا سيما في الثمانينات في الأحياء اللاتينية في لوس انجليس قبل أن تزدهر في أميركا الوسطى بعد طرد الولاياتالمتحدة لآلاف المهاجرين. ولا تزال عصابات ال"مارا" تضم نحو 100 ألف عنصر في هذه البلدان الثلاثة في أميركا اللاتينية على الرغم من جرائم القتل وسجن الآلاف من عناصرها.