ثمة أمور كثيرة في ثورة المعلوماتيّة والاتصالات رافقتها مرارات كبرى ومتنوّعة ومتطاولة، لعل أبرزها «الفجوة الرقميّة» Digital Divide. وتذكيراً، يستخدم هذا المصطلح لوصف الفارق في درجة التقدّم في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة (خصوصاً انتشار الإنترنت والاستفادة منها)، بين الدول والمجتمعات والشرائح الاجتماعية وغيرها. بُذِلت جهود كبرى في محاولة ردم «الهوّة الرقميّة»، خصوصاً تلك التي تُباعد باضطراد بين الدول المتقدّمة والناميّة، شاركت فيها مؤسسات دوليّة وشركات كبرى بل حتى أفراد من المهتميّن بالشأن المعلوماتي وتشعّباته. وعبرت الأممالمتحدة عن اهتمامها بردم «الفجوة الرقمية» عبر مقاربات شملت دورتي انعقاد ل «القمة العالمية لمجتمع المعلوماتية»، إضافة إلى سيول من المؤتمرات والمبادرات وورش العمل وغيرها. ولكن، يبدو أن هذه الهوّة الفاغرة فمها باستمرار، ما زالت مستعصية على الجهود الرامية لردمها وتجاوزها. فوفق تقارير مختصّة لاقت دعماً من «المنتدى الاقتصادي العالمي»، ما زالت غالبية البلدان النامية تواجه صعوبات في تقليص «الفجوة الرقمية» التي تعاني منها شعوبها، خصوصاً لجهة الحصول على تكنولوجيا المعلومات. ومن المهم التشديد على تبني «المنتدى الاقتصادي العالمي» التقارير عن هذا الاستعصاء، بالنظر الى الوزن الذي يتمتع به هذا المنتدى في صنع القرار عالمياً. فنلندا أولاً تليها سنغافورة تضمّنت هذه التقارير دراسة عن تراتبيّة الدول بالنسبة إلى قدرتها على استخدام تكنولوجيا المعلومات لتطوير نموها ورخاء سكانها. وحلّت فنلندا في صدارة هذا الترتيب الذي يعتبر مؤشّراً علمياً موثوقاً ومتجدداً عن «الفجوة الرقميّة». واحتلت سنغافورة المرتبة الثانية في تراتبية هذه الدراسة، تلتها السويد وهولندا والنروج. ولم تحرز الولاياتالمتحدة سوى المركز الثامن، ربما لأن بناها التحتية الصلبة في المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة، لا توازيها «بيئة سياسية وتشريعية تتناسب مع الإنجازات التي بإمكان هذه البلاد تحقيقها»، وفق الدراسة. وفي هذا السياق، أعرب بينات بيلباو أوزوريو الخبير الاقتصادي في شؤون التنافسية الدولية في «المنتدى الاقتصادي العالمي»، عن قناعته بأن بلداناً نامية في أفريقيا وأميركا اللاتينية وجنوب شرقي آسيا، لديها مستويات متدنيّة في نسب مستخدمي الإنترنت تترافق مع تطوّر محدود للتجارة الإلكترونية فيها. ووفق الدراسة عينها، خسرت الصين سبعة مراكز عن موقعها في دراسة مماثلة أُجريت قبل 5 سنوات، لتحل في المرتبة 58. وكذلك أشارت الدراسة إلى أن النمو الثابت للاقتصاد خلال الأعوام الأخيرة في بعض البلدان النامية، ربما يضحي عرضة للخطر ما لم يصاحبه ضخّ استثمارات ضخمة في مجال الابتكار والتدريب في تقنيات المعلوماتية والاتصالات المتطوّرة. ومن بين دول في مجموعة «بريكس» التي تضمّ البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، تقدمت روسيا مرتبتين مقارنة بالدراسة السابقة، لتصبح في المركز 54، في حين تقدمت البرازيل خمس مراتب لتحل في المركز ال65، وتقدّمت الهند مرتبة واحدة فصارت في الموقع ال68، وتقدمت جنوب أفريقيا مرتبتين، فصارت في المركز ال70. ومن أصل 144 بلداً شملتها الدراسة، تذيّلت بوروندي هذا الترتيب خلف اليمن والجزائر وهايتي. هل يبدو مفاجئاً أن تحلّ دولتان عربيتان متفاوتتان في النمو، مرتبتين متقاربتين في ذيل ركب المعلوماتية والاتصالات؟