عندما انتهيت من كتابة رواية مقامات النساء، جال في ذهني سؤال: هل في الإمكان كتابتها مرة أخرى بشكل مختلف؟ كانت إجابتي: نعم، ولكن كيف سيكون النص؟ هل هو مختلف أم تقليدي؟ الإجابة عن هذا السؤال تتحدد عند الشروع في الكتابة، لذا كان قراري منذ بداية كتابتي لهذه الرواية، أن أبتعد عن التقليدية قدر الإمكان، وأقدم شيئاً مختلفاً، وهذا يمنحني متعة الكتابة، فكتابة الحكاية أو الحدوتة لأي نص متسلسل سهلة، لأن الجميع يستطيع أن يحكي، ويقص ما حدث له في الحياة ببساطة، ولكن الأمر هنا مختلف، فثمة رواية تكتب، والرواية وفق ما أعتقد، مشروع بحثي ونسق مختلف عن حكايات العامة، لذا كان البحث عن القالب الذي أصب فيه هذه الرواية لتصل للقارئ بصورة مختلفة وممتعة، وهذا تحد مهم، الأساس الذي بنيت عليه الرواية بسيط وواقعي، حكاية ثلاثة أشخاص قدموا إلى مدينة لا يعرفونها، «إلى حدٍّ ما»، تتشابه عليهم الطرقات ويتوهون، ويلتقون بثلاث نساء يعرفن الطريق إلى مكان إقامتهم، يقدن سيارتهن الفاخرة، ويتبعهن الرجال الثلاثة بسيارتهم الصغيرة إلى المكان الذي يرغبون في الذهاب إليه، وعند الوصول إلى المكان المحدد يستأذن ويغادرن، من دون لقاء مباشر، مجرد شكر، وامتنان، ككاتب، أقدر أن آخذ النسق التقليدي، وأحكي عن علاقات بين تلك النسوة والرجال، أو أصعدها «درامياً» بأحداث قدرية، مثلاً حادثة سير، وشبهة جنائية، ولكن أنا ككاتب روائي، أحترم شخصياتي الروائية، لا أحب مطلقاً أن تدخل صراعات في وهمية مختلقة، يهمني أن أفجر العوالم التي في داخل كل شخصية، كل واحد من الشخصيات التي أخترتها في هذه الرواية لديه تجاربه الحياتية الخاصة، لديه مواقفه الخاصة، لديه مشكلاته النفسية الخاصة، ولديه رؤيته في الحياة الخاصة، لذا لماذا أحولها إلى دمى أحركها وفق ما أشاء، ولديها ما قد يبهرني؟ وهنا المتعة لدى كاتب الرواية، أعطيت الحرية لكل شخصية، اتفقنا.. الشخصية وأنا.. على نسق السرد الذي يختاره في الرواية، فكان لكل واحد نسقه الخاص، وقارئ الرواية بكل تأكيد سيلاحظ الاختلاف، بين «أنور.. وحسن.. وحامد» الشخصيات الرئيسة في الرواية، كل واحد له نسقه الخاص، وكل واحد له حياته الخاصة، فهنالك حكاية مسرودة متسلسلة لأنور، وهنالك ذكريات ومقاطع نثرية لحسن، وهنالك طرح لمشكلات ومعاناة خاصة في سيرة حامد، حتى عناوين الأجزاء الخاصة بهم في الرواية هم وراء اختيارها. القضية الرئيسة في الرواية.. هي العلاقة بالمرأة.. هنالك رجال وهنالك نساء، المرأة الأم.. هل لفقدانها تأثير في الأبناء؟ وهل تعوض بأمهات الرضاع مثلاً؟ كيف تكون العلاقة بالزوجة والأخت والقريبة؟ كيف تكون المرأة حلماً؟ وما مدى المتعة التي ينشدها الرجل من المرأة والعكس؟ وغير ذلك من الأسئلة التي منحت لأبطال روايتي فرصة الخوض فيها ومناقشتها، وتقديم تجاربهم حولها. توزعت أحداث الرواية بين مسقط، والرياض، ولندن وجدة، والطائف، إضافة إلى مدن أخرى، خلقت عوالم واقعية بحتة، وعوالم أسطورية، وقدمت كماً هائلاً من الأسماء النسائية، وعدداً بسيطا من أسماء الرجال، كانت الأغنية حاضرة في مقاطع متعددة من الرواية بدءاً من عبادي الجوهر مروراً بطلال ومحمد عبده وسيلين ديون، وغيرهم، حرصت ألا أقحم نصوصاً أو مقاطع تترهل بها الرواية وتخرج عن مسارها، وكتبت بتلقائية، من دون التعمد لتحفيز الغرائز بصورة سيئة، كنت حريصاً على متعة النص. كما كنت مستمتعاً بالكتابة، كما شعرت بمتعة خاصة عندما عاودت قراءة النص عند التنفيذ. بالطبع رواية «مقامات النساء» محطة كتابية توقفت عندها فترة من الزمن وغادرت متوجهاً إلى محطة آمل أن تكون أمتع وأجمل. * روائي سعودي مخضرم، والمقالة عن روايته «مقامات النساء» الصادرة عن «جداول».