تتفكك سورية على مرأى من العالم. وقد ينهار نظام بشار الأسد، وقد ينجح في التمترس في بؤرة محصنة فيكون أكبر ميليشيا في ارض الميليشيات. ويرجح أن تقع سورية فريسة أمراء الحرب والإسلاميين والعصابات، وأن تتحول صومالاً ثانياً في قلب المشرق. وتفكك سورية يؤجج «الجهاد» ونزاعات الشرق الأوسط الدموية، وإلى اليوم لا تزال أسلحة الأسد الكيماوية آمنة، لكنها ليست في مأمن من الوقوع في ايدي عصابات خطرة. وترددات الكارثة السورية لن تقتصر على الشرق الأوسط، لكن العالم، بما فيه الولاياتالمتحدة، لا يحرك ساكناً. ومرد تردد الغرب في التدخل هو مبادرة الأسد منذ بداية الانتفاضة في 2011، إلى انتهاج استراتيجية العنف. فهو وجّه الدبابات والأسلحة إلى صدر الربيع العربي، وحوّل التظاهرات السلمية ميليشيات مسلحة. وقَصَفَ المدن، وهجَّر شعبه واقتلعه من بلده. وحمل العلويين على ارتكاب مجازر ضد السنّة، فاستقطب «الجهاديين» إلى سورية وحمل السوريين من الطوائف الأخرى على الاصطفاف وراءه مخافة ويلات ما بعد سقوطه. الدماء السورية تسيل من غير انقطاع، والكراهية الطائفية في أوجها، وفصول النزاع قد تدوم أعواماً. وتضع المجموعات المتمردة اليد على القواعد العسكرية، وتسيطر على أجزاء من الشمال والشرق، وتقاتل في المدن الكبيرة. لكن المتمردين- الثوار هم حلفاء وخصوم في آن، والمواجهات لا تقتصر على جولات القتال مع القوات الحكومية، فهي انتقلت إلى صفوفهم الداخلية. وعلى رغم أن الأسد لم يعد يبسط سلطته على البلاد كلها، فإن دواعي مواصلة القتال كثيرة: دعم طائفته الكبير ودعم الخائفين في سورية، وولاء 50 ألف جندي مدربين ومسلحين، وتأييد عشرات آلاف المقاتلين وهم اقل تدريباً من الجنود النظاميين وأضعف ولاء. والتأييد الروسي والإيراني والعراقي الذي يمد النظام بالمال والعتاد والمسلحين، لم يفتر. و«حزب الله» يمدّه بمقاتلين. ولا شك في أن الأسد لن يربح الحرب، لكن الهزيمة لن تنزل به قريباً. النزاع أودى بحياة أكثر من 70 ألف شخص، وعدد المفقودين فاق عشرات الآلاف، والنظام يعتقل حوالى 150 ألفاً، وهناك أكثر من مليوني سوري مشردون في الداخل يبحثون عن مأوى ولقمة عيش، ويعيش مليون شخص في بؤس مدقع على طول الحدود. لكن باراك أوباما يرى أن إنقاذ الأرواح لا يسوغ التدخل العسكري فحسب، وهو خلص من حربي أفغانستان والعراق إلى أن إرساء السلام عسير، وتخشى أميركا الغرق في الفوضى التي صنعها الأسد. لكن ما خلص إليه اوباما في غير محله، فأميركا قوة عظمى، ولن يطول الأمر قبل أن تضطر إلى التدخل في سورية. ولو لم يَنْسَق الرئيس الأميركي وراء الدواعي الإنسانية، لن يسعه تجاهل مصالح بلده. فإذا تواصل النزاع، تحولت سورية توليفة من مناطق متناحرة. وبلوغ أميركا أهدافها في الشرق الأوسط، ومنها احتواء الإرهاب ولجمه وتأمين مصادر الطاقة والحؤول دون انتشار أسلحة الدمار الشامل، متعذّر في مثل هذه الظروف. وعلى خلاف الحرب الأهلية في لبنان التي دامت 15 عاماً، يقوض تفكك سورية مصالح أميركا. خُمس المقاتلين في سورية متطرفون إسلاميون، يهددون السوريين المعتدلين من السنّة وغيرهم، وقد يستخدمون مناطق نفوذهم منصة لشن عمليات إرهاب دولية. وقد يهددون إسرائيل في مرتفعات الجولان، ولا شك في قدرتها على حماية نفسها لكن ردها على الإسلاميين قد يغضب الرأي العام العربي. وتذرر سورية قد يمزق لبنان، فالأسد لن يتوانى عن «تحريك» مؤيديه في هذا البلد. والأردن دولة فقيرة وهشة قد تزعزع استقرارها موجات النازحين ونشاط الإسلاميين. وتماسك العراق الشيعي الغني بالنفط هش، ومع انضمام السنّة العراقيين إلى النزاع، تتعاظم الانقسامات. والتصدي لنتائج انهيار سورية، قد يساهم في تعقيد مساعي الحؤول دون حيازة إيران القنبلة الذرية. فأوباما أراد تفادي الوقوع في شراك الأزمة السورية، لكنها ستلتف حوله. وحري بأوباما المبادرة إلى حفظ ما تبقى من سورية، أي إقناع الدائرة المحيطة بالأسد بالاختيار بين هزيمة مدمرة وبين لفظ عائلة الأسد كمقدمة للتفاوض مع الثوار. وتبرز الحاجة إلى إرساء منطقة حظر جوي لشل سلاح الجو لدى النظام وتدمير عدد من صواريخه. وأميركا مدعوة إلى الاعتراف بحكومة انتقالية سورية تنتخبها المعارضة، وتسليح مجموعات الثوار غير المتطرفة بعدد قليل من الأسلحة المضادة للطائرات. ويرجح أن تؤيد فرنسا وبريطانيا مثل هذه المساعي، ويسع أوروبا وأميركا استمالة روسيا من طريق وعدها بدور في سورية المحررة. * هيئة تحرير المجلة، عن «ذي ايكونوميست» البريطانية، 25/2/2013، إعداد منال نحاس