يقول المبعوث الأممي – العربي الأخضر الإبراهيمي الى سورية، في مقابلته مع «الحياة» (31 كانون الثاني- يناير 2013)، ان لا حل في سورية إلا من خلال مجلس الأمن، مشيراً الى أن «فتحة صغيرة جداً» موجودة الآن لتفسير ما وصفه ب «العبارة الجميلة» التي حولتها الدول الأعضاء الى «فوضى بناءة» منذ صدرت عن لقاء جنيف قبل شهور. وكان يقصد بالعبارة تلك التي تقترح للحل «تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة». وما قاله الابراهيمي صحيح لسبب بسيط، هو أن مجلس الأمن هو الذي حال دون الحل حتى الآن وأعطى بشار الأسد الفرصة تلو الأخرى لإنهاء الثورة ضده، بل ولقتل شعب سورية وتهجيره وتدمير مدنه وقراه طيلة ما يناهز سنتين. واذا كان موقف روسيا والصين سبباً أساسياً في ذلك، فعجز الدول الثلاث الأخرى الدائمة العضوية في المجلس عن المبادرة (هل هو عجز فقط؟!) يتحمل مسؤولية مماثلة. أما القول بوجود «فتحة صغيرة جداً» الآن، فيحتاج الى ما يسنده على الأرض، بخاصة أن الابراهيمي نفسه أعاده في ختام المقابلة الى قولة «تفاءلوا بالخير». ولكن، هل هذه هي القضية الآن؟ واقع الحال أن الابراهيمي يحاول أن يدمج بين دورين يقوم بهما: أولاً، كمبعوث أممي – عربي يحمل عبئاً طالما تحدث هو عنه تحت عنوان «خطر فيضان الحدث السوري على المنطقة»، ومسؤولية الدول الكبرى والأممالمتحدة في حماية السلام والأمن الدوليين. وثانياً كوسيط بين النظام السوري والثورة بأمل التوصل الى حل ينهي سفك الدماء ويضع حداً للكارثة الانسانية التي تحل بالشعب السوري وتهدد مستقبله ومستقبل بلده. ولعل هذه هي نقطة الضعف والقوة معاً في ما يحاوله الابراهيمي. ذلك أن الحال في سورية لم تعد تحتمل اللعب بالكلام أو الدخول في «مساومات» مع أطرافها المباشرة في الداخل والمتورطين بها من الخارج، لا في ما يتعلق بسورية أرضاً وشعباً ودولة من جهة، ولا في ما يتعلق بالسلام والأمن في المنطقة، وتالياً في العالم، من جهة ثانية. في مقابلة الابراهيمي، كما في تصريحات سابقة، تجنب الحديث عن دور ايران تحديداً ثم «حزب الله» والعراق في الكارثة الكبرى التي تحل بسورية وشعبها، الا أنه دعا المجتمع الدولي والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الى القيام بمسؤولياتهم في حفظ السلام والأمن في المنطقة. كما ساوى، الى هذا الحد أو ذاك، بين ممارسات النظام الوحشية وغير المقبولة ضد شعبه، والأفعال غير المنضبطة التي يقوم بها بعض الثوار الذين يعترف النظام بأنهم لم يحملوا السلاح إلا بعد شهور من التظاهر السلمي وللدفاع عن أنفسهم. من هنا، ربما يجوز القول إن دمج الابراهيمي بين دوريه كان مفهوماً، وحتى مقبولاً، في الشهور الأولى للحدث، بل للقول ان كلاً من الدورين كان يكمل الآخر. ولكن، الآن، وبعد أن أصبح ربع الشعب السوري نازحاً في الداخل أو الخارج مع ما يعانيه من جوع ومرض ونوم في العراء، وتجاوز عدد القتلى 65 ألفاً وفق أدنى التقديرات، ودُمِّر معظم المدن والقرى وبناها التحتية، وبات جلياً أن سورية دخلت لعبة الأمم من بابها الواسع، لم يعد ذلك مقبولاً من الابراهيمي الذي وافق على المهمة – كما قال- لشعوره الشخصي والوطني بخطورة الحدث، ولا من أي موفد دولي يحمل عبء البحث في انهاء هذه المذبحة. سببان اثنان لهذا القول: الحال الكارثية في سورية بكل ما تحمله كلمة كارثي من معنى، والحال الأخرى المتوقعة والتي بدأت تطل برأسها في دول الجوار وصولاً الى كل دول المنطقة. وعنهما معاً يتحدث الابراهيمي في المقابلة، ولكن في سياق الدمج مجدداً، فيكتفي بإلقاء أضواء على زوايا صورة الكارثة، مع أن هذه الصورة ما عاد ممكناً ولا مقبولاً إلا كشفها وتعريتها بصورة كاملة. فعن مصير الأسد، الذي يرفض الغوص فيه تفصيلاً، يقول كلاماً لا يختلف عن تلك «العبارة الجميلة» التي أشار اليها في بيان جنيف ثم اختبأ كل طرف وراء تفسيره لها. رداً على سؤاله عن الأسد، يقول: «المياه لا يمكن أن تعود وتجري صعوداً، وما فات قد فات، وسورية غداً ستكون مختلفة عن سورية اليوم، كما أن سورية العام المقبل هي سورية أخرى مختلفة عن التي كانت قبل سنتين، والتغيير المطلوب يجب أن يكون حقيقياً، وفترة الترقيع انتهت. قلت في شباط (فبراير) 2011 إن منطقتنا تتطلع الى تغيير حقيقي، وأي حكومة تستطيع أن تقود هذا التغيير وإن لم تفعل فإنها ستكون متجاوزة». ماذا يعني ذلك سوى أنه «عبارة جميلة» أخرى، وأنه يمكن أياً من فرقاء الكارثة السورية أن يفهمها كما يشاء، ثم يواصل تعاطيه معها على أساس هذا الفهم؟ كذلك، عندما يتحدث عن دول الجوار وتأثرها بما تشهده سورية، يقول كلاماً مشابهاً بدوره:»هذه مناطق متداخلة وشعب واحد، والأفكار فيها أيضا متداخلة وواحدة. في لبنان هناك مشاكل موجودة أصلاً. لا يمكن لأزمة في سورية بهذا الحجم أن يقفل عليها في حدود بلد واحد، لأنها لا بد ستفيض. وعندما يكون المحيط قريباً جداً، فإن الفيضان يكون أشد خطورة». ويضرب أمثلة من أفغانستان وباكستان وغيرهما، ليؤكد في الختام أن «الوضع في سورية، إن استمر وتعفن، فالعدوى قادمة بكل تأكيد وبوادرها موجودة أصلاً». ليس في ما سبق تقليل من أهمية ما يقوم به الابراهيمي أو استهانة به، لكن الكارثة التي تنزل بسورية منذ زهاء سنتين، وتهدد عملياً دول الجوار والمنطقة كلها، باتت- كما لا ينكر أحد والابراهيمي نفسه - تحتاج الى أكثر من ذلك... وربما أكثر وضوحاً على الأقل. وسيكون مدعاة للقلق في شكل خاص، اذا كانت «الفتحة الصغيرة جداً» التي تحدث عنها الابراهيمي هي تلك اللقاءات التي عقدت قبل أيام في ميونيخ بين رئيس الائتلاف الوطني للمعارضة أحمد معاذ الخطيب ونائب الرئيس الأميركي جو بايدن ووزيري الخارجية الروسي والايراني سيرغي لافروف وعلي أكبر صالحي.