الرسام الفرنسي بيار سولاج الذي بلغ ال93 من العمر، نال فرصة نادراً ما يحصل عليها زملاؤه، تتمثل في زيارة ورشة المتحف الذي سيضم، اعتباراً من عام 2014، أعماله «السوداء المضيئة» في مدينة روديز - مسقط رأسه في وسط فرنسا، وهو لا يريده «ضريحاً» له، بل مكاناً لحياته المزدهرة. سولاج صاحب القامة الطويلة، التي لم تنل سنوات عمره المديد من استقامتها، مشهور في العالم بأسره بحبه للأسود، وجال أخيراً في ورشة المتحف قيد الإنشاء، على مسافة كيلومترات قليلة من دير كونك الذي تعتبر زجاجياته أحد أعماله البارزة. ويقول الرسام، الذي يعتبر مؤلف لون جديد يسمى «أوتر نوار» (أسود آخر): «هذا المتحف يجب ألا يكون ضريحاً لسولاج!». واشترط أيضاً أن يكرس المتحف 500 متر مربع من مساحته للمعارض الموقتة، علماً إن مساحته الإجمالية تبلغ ستة آلاف متر مربع موزعة على ثلاثة مستويات، من بينها ألفا متر مربع مخصصة للعرض. ورافق المكرّم في جولته، رامون فيفالتا، أحد المهندسين المعماريين الكاتالونيين المكلّفين تشييد المبنى، وهو من أطلع الرسام الكبير على خطة تماهي المتحف، الذي يدشن في ربيع 2014، مع النتوء الصخري الذي تنتصب فوقه روديز، عند خاصرة سلسلة جبال ماسيف سنترال. وتبرع سولاج، في مرحلة أولى، ب500 من أعماله، وهي لوحات تغطي الفترة الممتدة من 1946 إلى 1978، فضلاً عن النماذج الفنية لزجاجيات دير كونك القريب، وأعمال الليتوغرافيا التي حققها. وأضاف إليها أخيراً 14 لوحة تعود 13 منها إلى مرحلة الشباب، فضلاً عن لوحة كبيرة أنجزها عام 1986 بتقينة «الأسود الآخر»، وهي تلعب على انعكاس النور في مساحات سود مختلفة. والرسام الذي يحتفل بعيد ميلاده ال93، ابن روديز، الواقعة في منطقة أفيرون التي يعشقها السياح الأوروبيون المحبون للطبيعة. يدرك جذوره ويتعلّق بها لكنه يؤكد أنه إنسان حر: «أنا أنتمي الى هذا المكان، لأن ذائقتي تشكلت هنا، لكني غادرت روديز وكنت بعد ابن 18 سنة، حتى أعادتني إليها زجاجيات دير كونك (1986 إلى 1994)». وللرسام شهرة عالمية وهو فخور بانتشار لوحاته في العالم، ويقول: «أعمالي موزعة في العالم بأسره، من آسيا وأميركا الى أستراليا، مروراً بأوروبا، وقد أكون الرسام الوحيد الذي تعرض أعماله في متحف آرميتاج في سان بطرسبرغ وهو على قيد الحياة». وما زال الرسام يحتفظ بالحماسة نفسها لدى الحديث عن عمله، وحبه الون الأسود، موضحاً: «منذ معرضي الأول عام 1974، كانت اللوحات قاتمة مع هيمنة للون الأسود، عندما كنت طفلاً كنت أغمّس ريشتي في المحبرة، بدل أكواب الألوان الأخرى. لطالما كان الأسود رفيقي الدائم». ويعتبر سولاج أن الأسود «لون قوي وفعال: ضعوا الأسود إلى جانب لون قاتم فيبدو أقل قتامة!»، ويضيف: «عندنا الأسود هو الحداد، لكنه أيضاً لون اللباس الرسمي في الاحتفالات... الأسود يمثل بساطة ثوب الراهبة وروعة فستان الإمبراطورة سيسي وهي ترقص».