تحديات "الصناعة والتعدين" على طاولة الخريف بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة اليوم    ارتفاع أسعار الذهب إلى 2719.19 دولارا للأوقية    القيادة تهنئ رئيس جمهورية سورينام بذكرى استقلال بلاده    استمرار هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أرسم بالضوء المنبعث من المساحة السوداء
نشر في الحياة يوم 14 - 10 - 2009

الكلام على «استعادة» أعمالي في مركز بومبيدو يوهم بأني أنظر الى الماضي وأستعيده. وأنا لا أحب اللفظة، وأوثر عليها المعرض العام أو الجامع. فاللوحة التي تشدني وتستوقفني هي تلك التي أنوي انجازها غداً. ومعرض بومبيدو الجامع يبسط أعمال 63 سنة متصلة: منذ أعمالي الأولى في 1946 الى لوحاتي المصرعة الكبيرة والأخيرة، وبعض هذه يعود الى 2009. والخيط الذي يجمعها وتتصل به، هو ميلي الى اللون الأسود، وإيثاري إياه منذ طفولتي. فحين كنت أُعطَى ألواناً أصور بها، كنت أفضل غمس ريشتي في المحبرة. ويرقى ميلي الى ذلك الوقت. وموضوعات اللوحات الأولى من المعرض هي فلذات من الاسفلت وقشور جوز... وهذه المواد معروفة وتافهة ولكنني كنت أميل اليها.
وأقمت على ميلي، وعلى نهجي في الرسم، الى 1979 ويدور ترتيب المعرض وإيقاعه على المفصل هذا. وحصوله جاء مصادفة. فأنا كنت على يقين من إخفاقي في رسم لوحة بين يدي. وعلى رغم يقيني لم أترك اللوحة. فثمة داع قوي كان يدعوني الى الاستمرار. وكنت كففت عن الرسم بالأسود الذي يملأ اللوحة، ويغطيها من أدناها الى أقصاها، وصرت أرسم بالضوء المترائي في أحوال المساحة السوداء المتفاوتة والمتفرقة. والضوء المنبعث من الأسود يتجاوز الظاهرة البصرية البسيطة. فهزني الأمر هزاً عنيفاً. وإذ ذاك، ابتكرت على شاكلة القول: «ما وراء (بلاد) الراين»، و «ما وراء (بحر) المانش»، لفظة «ما وراء الأسود». وهذه طريقة في الإشارة الى بلد آخر، والى حقل ذهني غير الحقل الذهني الذي يبلغ من طريق الأسود.
ويخطئ خطأ فظاً من يحسب أنني رسام اللون الأسود الواحد، على وجوهه ولهجاته. فينبغي أن نرى بعينينا وليس بذهننا وفكرنا. والحق أن عملي يتوسل بنسيج لوني واحد، على شاكلة الجلد أو البشرة، وليس بلهجة لونية واحدة. وفي المعرض صالة بين طرفيه، تتوسطه، تبدد الخطأ الفظ الذي ألمحت اليه. وفي الصالة هذه حين علقت لوحاتي، طليت الأرض والجدران والسقف بالأسود. وفي ضوء هذا الترتيب يسع الزائر أن يرى في لوحاتي أصداء الضوء في مرآة اللون الأسود الذي يرددها ويغيرها. فما أنشده هو استكشاف أحوال السواد ومنازع صفحته، وتقليب مراتب الأوقات المتفرقة منه على وجوهها.
وحين يتأمل المرء في المسألة، يبدو الأسود جوهرياً. فقبل 340 قرناً، خاض بشر في الظلمة الحالكة، وصوروا التصاوير على جدران الكهوف، ورسموا بالأسود. ألا يحمل هذا على الدهشة؟ يجدد القول إن الأسود هو لون أصولنا. فقبل الولادة، نسبح في العتمة، ثم نبصر النهار، ونقصد الى الضوء. وهذا ما اعتقده سلك رهبنة في القرن السابع عشر. وأحد رهبان السلك، روبير فلود، رسم في 1617 أول مربع أسود. فهو صاحب المربع الأسود الأول، وليس ماليفيتيش، في 1915، على ما يقال. وكان سائق فلود ميتافيز يقياً، على خلافي. ففي يوم كنت أزور اللوفر، وأتأمل منحوتة رائعة من بلاد الرافدين، تساءلت عما يجمعني بهذا الذي تحت المنحوتة قبل قرون. فأنا لا أعرف أفكاره، ولا أتقاسم وإياه ثقافة واحدة، وديننا ليس واحداً. فانتبهت الى ان ما يعنيني ليس ما تمثله المنحوتة بل حضورها الطاغي، المنبعث منها والملتبس بقسماتها وأشكالها. فهي لم توهمني ببعث الظواهر. وعلى هذا، فالفن من غير حضور إنما هو تزيين وتزويق. وأنا توجهت هذا الوجه على الدوام.
وقدمت اللوحات ذات المساحات العريضة، وملتُ الى المنحى العمودي. وتركت، مبكراً، مسنداً للوجه الخشبي، ورسمت لوحاتي أرضاً. ولكني تخيلتها، منتصبة، وفكرت فيها وهي على هذه الحال. وقررت وحدي عرض لوحاتي وطولها، وضربت صفحاً عن الطول والعرض اللذين تقترحهما السوق. واخترت، عموماً، نسباً بين الطول والعرض غير عقلانية، وذات منزع متوثب. ومثال هذا النسبة بين ضلع المربع وبين خط الزاوية، فهي أقرب الى متعة البصر.
وحين اقترح علي مدير متحف اللوفر، هنري لواريت، تعليق احدى لوحاتي في صالة من صالات المتحف، وفي جوار أعمال فنية كلاسيكية، اخترت صالة تعلق أعمال بعض رسامي النهضة الإيطالية الأولى، منها لوحة «موقعة سان رومانو» لباولو أوتشيلو، وهي لوحة أراها منذ زمن بعيد احدى روائع الرسم. وتعلق لوحتي على جدار قبالة النوافذ، فتستقبل الضوء وتعيده. وفي الصالة نفسها تتربع لوحة سيمابو، «ماييستا». وأنا شديد الإعجاب بها. وحين يدخل الزائر الصالة لا يرى غيرها. وأنا لا أقارن بين لوحات لا تشارك قواسم واحدة. ولكن تعليق لوحتي في الصالة هذه لا يخلو من معنى. فلوحات الصالة تعود الى عصر الانتقال من الرسم البيزنطي وتقنية «الإيهام» الى عصر المنظر المثلث الأبعاد. والى تناول المكان على النحوين هذين، ثمة نحو ثالث، مجرد، انتهجه. والضوء المنبعث من أسقف «ماييستا» الذهبية يحملني على التفكير في «ما وراء الأسود» الذي وقعت عليه في عملي. وفي الحالين، يتوجه الضوء على الناظر وإليه، وينشئ حيزاً بين يدي اللوحة.
* رسام فرنسي، عن «لكسبريس» الفرنسية، 18/9/2009، إعداد وضاح شرارة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.