لم تعد الدروس الأسرية التي يقدمها «الآباء» لأبنائهم مقتصرة على المنازل والمدارس فقط، بل امتدت إلى أروقة المحاكم الشرعية لتقدم المزيد من الدروس والعبر التي ستكون علامة فارقة في حياتهم المستقبلية، إذ شهدت أروقة المحاكم حضور «أبناء» متهمين في كارثة سيول جدة جلسات محاكمة «آبائهم» وأقاربهم وسط مراقبة لمصيرهم في قضايا «الفساد» المتهمين بالضلوع في تفاصيلها. ورصدت «الحياة» مشاهد حضور الأبناء مع آبائهم داخل قاعات المحكمة الإدارية في جدة منذ انطلاق محاكمات المتهمين في كارثة السيول، إذ مثل موظفون قياديون في جهات حكومية أبرزها الأمانة وكتابات العدل وغيرهما من الجهات الأخرى والشركات ورجال الأعمال. وحاولت «الحياة» أخذ آراء بعض الأبناء على سير محاكمة آبائهم، إلا أنهم رفضوا ذلك بحجة «الممنوع الاجتماعي» وخشية «الفضيحة» من تعليقات الآخرين حول هذا الموضوع، في حين تباينت نظرات بعض أبناء المتهمين لسير المحاكمات ما بين الخوف من مستقبل مجهول في حال الإدانة، وفئة أخرى متأكدة من البراءة وتنتظر النطق بها، فيما كانت العلامة المشتركة بين الفئتين «البر بالوالدين» منذ بدء التحقيقات حتى وصوله إلى قاعات العدل بين الناس من خلال الحضور للجلسات والوقوف بجانب آبائهم. وشهدت إحدى الجلسات مشاركة الأقارب لمتهم في الكارثة حكم ببراءته من قضايا الرشوة بعد عدد من الجلسات القضائية التي عقدت خلال الفترة الماضية، وارتسمت ملامح الفرح على وجوههم أثناء النطق بالحكم وشاركوا المتهم الفرحة من داخل قاعة المحاكمة بعد دقائق من الصمت الذي سبق النطق بالحكم. ويبدو أن الفترة المقبلة ستشهد منعطفات جديدة في ملف القضية الزاخر بالمفاجآت بعد انتهاء المداولات والمرافعات في الكثير من القضايا المتعلقة بالكارثة، إضافة إلى صدور أحكام بالسجن وصلت إلى 60 عاماً حتى الآن، فيما يواصل القضاء الشرعي في محافظة جدة ممثلاً في المحاكم الإدارية والجزائية والعامة النظر في قضايا المتهمين في هذه «الفاجعة». ولا يزال المتهمون الذين تجري محاكمتهم «مطلقي السراح»، إذ لم يأمر القضاة المكلفون بالنظر في ملفات المتهمين بتوقيفهم حتى الآن، وأبلغ رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام في محافظة جدة المكلف سعد الميموني المحكمة الجزائية في المحافظة بأن الأوامر التي صدرت حول التوقيف والإفراج بحق متهمي كارثة السيول سيكون البت فيها من اختصاص المحكمة. وفي تطور لافت في محاكمات المتهمين في كارثة السيول، سجلت المحاكمات وجود أحد الشهود في قضية الرشوة، إذ سأل القاضي محامي المتهمين عن الشهود، ورد المحامي أن أحدهم موجود والمحكمة هي من تطلبهم. وتنوعت التهم الموجهة إليهم ما بين الرشوة والتوسط فيها، والتسبب في إتلاف الممتلكات العامة، وإزهاق الأرواح، والتفريط في المال العام، والإهمال في أداء واجبات الوظيفة، والاشتغال بالتجارة وغيرها من التهم الأخرى المستوجبة للتعزير.