من أبرز المشاهد اللافتة بين أروقة قاعات المحكمة الإدارية في جدة أثناء محاكمات المتهمين في كارثة الأمطار والسيول «بر الوالدين»، و «صلة الرحم»، إذ حضر «الأبناء» و «الأقارب» بقوة مع ذويهم المتهمين في الكارثة أو خلفيتها طوال الجلسات القضائية على مدار العام ونصف العام، التي بدأت أحكامها في الصدور أخيراً، بتبرئة متهمين، وإدانة آخرين بالسجن والغرامة. وتباينت نظرات على بعض الأقارب لسير المحاكمات ما بين الخوف من مستقبل مجهول في حال إدانة الأب أو القريب، وفئة أخرى متأكدة من البراءة وتنتظر النطق بها، فيما كانت العلامة المشتركة بين الفئتين الحال النفسية السيئة منذ بدء التحقيقات حتى وصوله إلى قاعات العدل بين الناس. وظهرت الرهبة والخوف للبعض من أبناء المتهمين الآخرين أثناء تواجدهم داخل المحكمة قبل النطق بالأحكام في ملفات المتهمين، حيث انتظر البعض لأكثر من 60 دقيقة في انتظار انتهاء الجلسة القضائية لآبائهم، والتي انتهت بعضها بإعادة ملف القضية إلى هيئة الرقابة والتحقيق للتحقيق مع أشخاص آخرين. وشهدت إحدى الجلسات مشاركة الأقارب لمتهم في الكارثة حكم ببراءته من قضايا الرشوة بعد عدد من الجلسات القضائية التي عقدت خلال الفترة الماضية، وارتسمت ملامح الفرح على وجوههم أثناء النطق بالحكم وشاركوا المتهم في الأفراح من داخل قاعة المحاكمة بعد دقائق من الصمت الذي سبق النطق بالحكم. ويرى المحامي القانوني الدكتور إبراهيم البادي في حديثه إلى «الحياة»، أن حضور الأبناء وأقارب المتهمين إلى قاعة المحاكمات مع ذويهم تأتي لمنح «المتهم» الثقة والاطمئنان، إضافة إلى مساعدته ومحاولة الوقوف معه في مصيبته، خصوصاً وأن البعض لم يتعود على دخول المحاكم بهذا الكم من التهم سابقاً. ويقول البادي إن حضور الأقارب والأصدقاء مع الشخص المتهم يدخل الطمأنينة إلى قلبه أثناء المرافعات، ويشد من أزره في حال النطق بالحكم سواء بالإدانة أو البراءة وهو ما يجعل البعض يحاول أحياناً طلب الجلسات العلنية. ويحاول عدد من الأقارب الذين حضروا إلى المحكمة تهدئة بعض المتهمين، وبالأخص في الأيام الأخيرة التي سبقت النطق بالحكم، إذ يرون أن ما سيحدث هو «قضاء وقدر»، ولا يمكن الاعتراض عليه. ورغم براءة بعض المتهمين، فأن «الدموع» كانت حاضرة هي الأخرى داخل قاعة المحكمة، إذ لم يتمالك البعض من المتهمين نفسه بعد النطق بالحكم حتى فاضت عيناه بالدموع التي لم يمكن السيطرة عليها في الحزن والفرح. وفيما يواصل القضاء الشرعي في محافظة جدة ممثلاً في المحاكم الإدارية والجزائية والعامة النظر في قضايا المتهمين في كارثة السيول، يبدو أن الفترة المقبلة ستشهد منعطفات جديدة في ملف القضية الزاخر بالمفاجآت بعد انتهاء المداولات والمرافعات في الكثير من القضايا المتعلقة بالكارثة. ولا يزال المتهمون الذين تجري محاكمتهم «مطلقي السراح»، إذ لم يأمر القضاة المكلفون بالنظر في ملفات المتهمين بإيقافهم حتى الآن، وأبلغ رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام في محافظة جدة المكلف سعد الميموني المحكمة الجزائية في المحافظة بأن الأوامر التي صدرت حول التوقيف والإفراج بحق متهمي كارثة السيول سيكون البت فيها من اختصاص المحكمة. وبلغ مجموع الأحكام التي صدرت حتى الأربعاء الماضي أكثر من 30 عاماً لعشرات المتهمين بينهم موظفون حكوميون ورجال أعمال، إضافة إلى أكثر من 4 ملايين ريال غرامات مالية على المتهمين في الكارثة. فيما تنوعت التهم الموجهة إليهم ما بين الرشوة والتوسط فيها، والتسبب في إتلاف الممتلكات العامة، وإزهاق الأرواح، والتفريط في المال العام، والإهمال في أداء واجبات الوظيفة. يذكر أن المدعي العام طلب من المحكمة إيقاع عقوبة تعزيرية على المتهمين في كارثة جدة بما يحقق المصلحة العامة لأن الأفعال التي ارتكبوها مخالفة صريحة للأوامر والتعليمات، وعدم مراعاة مصالح الوطن والعامة من الناس وهو ما أدى إلى إزهاق أرواح البشر والذي تجاوز عدد المتوفين فيها ال120 شخصاً بحسب تقرير الدفاع المدني وإصابة 350 شخصاً. وتضمنت قرارات الاتهام التي وجهتها هيئتا الرقابة والتحقيق وهيئة التحقيق والادعاء العام إلى المتهمين من مسؤولين في الدولة ورجال أعمال تهماً عدة، أبرزها السماح للمواطنين بالبناء في مجرى السيل، وذلك يخالف التعليمات والأوامر الملكية السابقة التي تقضي منع البناء والتملك في بطون الأودية، والسماح لمواطنين بالاستفادة من قطعهم السكنية في مخطط أم الخير شرق جدة الواقع في مجرى للسيل، وإزهاق الأرواح البشرية، وإتلاف الممتلكات العامة فضلاً عن ارتكابهم جرائمَ أخرى شملت قضايا الرشوة، والتفريط في المال العام، والإهمال في أداء واجبات وظيفته.