الأرجح أن لا شيء أكثر دلالة على العصر الرقمي من الألعاب الإلكترونية. إنها الشيء الأشد تكثيفاً وإبرازاً لمعطيات هذا المتغيّر التاريخي، ربما لأن الألعاب الإلكترونية لم توجد، بل ما كان لها أن تكون، إلا عبر وسائل المعلوماتية وأدواتها ووسائطها و... شبكاتها أيضاً. أكثر من هذا، يصعب العثور على موازٍ للألعاب الإلكترونية التي تمارس حصراً عبر الشاشات، في الحقب السابقة على بروز المتغيّر الإلكتروني. ربما لهذه الأسباب، وُضِعَت الألعاب الإلكترونية تحت مجهر قوي، بمعنى توجيه النظرة الاجتماعية والثقافية وحتى السياسية إليها. وزادت هذه النظرة المُدقّقة تكثيفاً مع اتجاه الألعاب الإلكترونية للاندماج مع الشبكات الرقمية، وضمنها شبكات الخليوي ومواقع الشبكات الاجتماعية، ما زاد في بروزها كظاهرة وثيقة الصلة بالعصر الرقمي. رفض «نداء الواجب» في الآونة الأخيرة، اندلع نقاش قوي عن لعبة إلكترونية شديدة الشهرة هي «كول أوف ديوتي: بلاك أوبس» Call of Duty: Black Ops، (ترجمتها حرفيّاً «نداء الواجب: الخيارات السود») وهي أول لعبة تتضمّن إطلاق نارٍ افتراضي على شخص ما بصفته الحقيقية (بالطريقة التي تظهر بها عبر الشبكات الاجتماعية). وصدرت اللعبة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2010، وحقّقت إنجازاً مذهلاً في شهر شباط (فبراير) 2011، مع بروزها بوصفها لعبة الفيديو الأكثر بيعاً على الإطلاق في الولايات المتّحدة. واللافت أنّها حقّقت مبيعات تجاوزت قيمتها بليون دولار في الأسابيع الستة الأولى من صدورها. وقبل أسابيع قليلة من ختام العام الجاري، صدرت تتمة اللعبة، في ظل توقّعات بأن تسجّل أداء أفضل. يدخل ملايين اللاعبين يوميّاً إلى خوادم شركة «أكتيفيجن بليزارد»، ليتنافسوا ضمن مباريات لعبة «كول أوف ديوتي». ورغبت «أكتيفيجن بليزارد» في تحقيق مزيد من الأرباح، عبر السعي لاستقطاب شريحة معيّنة من الجمهور، هي تلك التي تضمّ بعضاً من لاعبي الرماية الافتراضية الأكثر تفانياً ومهارةً عالمياً، هم عبارة عن لاعبين محترفين يعيلون أنفسهم (ويصبحون أحيانًا فاحشي الثراء) بفضل مشاركتهم في بطولات يجنون خلالها مبالغ طائلة. ولذا، عمد ناشر لعبة «كول أوف ديوتي» إلى إضافة ميزات إلى الجزء الجديد من اللعبة، وعنوانه «بلاك أوبس II»، بهدف جعل اللعبة نوعاً من الرياضة يقدر على استقطاب الجمهور، على طريقة لعبة «فارم فيل» الشهيرة. ومع هذه الإضافة، أصبح من الممكن أن يعرض اللاعبون مبارياتهم ليتابعها المشاهدون ضمن برنامج «شاوتكاست» أو عبر موقع «يوتيوب»، عبر بثّ يُدار من وحدات التّحكم الخاصة باللاعبين. وعلى رغم أن هذه الخطوة شكّلت مجرد بداية في تطوّر متوقّع، أفاد خبراء في مجال «الرياضة الإلكترونيّة» بأنّ «بلاك أوبس II» ليست مؤهّلة لتصبح لعبةً للمحترفين. ليس بالإثارة وحدها في المقابل، أعرب كثير من اللاعبين المحترفين عن قناعتهم بأن لعبة «كول أوف ديوتي» تعاني مشكلة أساسيّة تكمن في طابع اللعبة بالتحديد. وفي التفاصيل، أشار هؤلاء إلى أن اللعبة باتت تنطوي على أجزاء مستقلّة يتوجّب الاشتراك في كلّ منها على حدة وبالتسلسل. ويترجم هذا الأمر بعوائد مادية هائلة لشركة «أكتيفيجن»، بفضل الامتياز الذي تملكه لمكوّنات اللعبة كلها، لكنه يمثّل عبئاً واضحاً على جيوب اللاعبين. وحاضراً، تُصدِر الشركة جزءاً جديداً من لعبة «كول أوف ديوتي» بشكل منتظم: في كل ثاني ثلثاء من تشرين الثاني سنويّاً. ومن أجل تحقيق ذلك، يتناوب مطوّران مختلفان على تطوير اللعبة واختيار العنوان المناسب لها. وفي كلّ عام، يتخلّى ملايين اللاعبين عن اللعبة التي كانوا يخوضونها خلال الأشهر الاثني عشر السابقة، وينتقل جميعهم إلى الجزء الجديد منها يوم إطلاقه، مع افتراض ضرورة معاودتهم التسجيل في اللعبة، ودفع المال اللازم لهذه الخطوة. في هيئتها الجديدة، تنطوي أجزاء لعبة «كول أوف ديوتي» على شتّى أنواع التغييرات، من التبدّل في طريقة إطلاق النار من المسدسات، إلى تعديلات في المُقوّمات «الفيزيائية» (وهي افتراضية على كل حال) لعالم اللعبة. وربما بدا الأمر مثيراً للتحدّي، بل مسلياً في نظر الهواة. لكنه أمر يشبه الكابوس بالنسبة إلى اللاعبين المحترفين، الذين من الضروريّ أن يتوافر لهم إمكان التمرّن وممارسة اللعبة عينها على مرّ السنين، باتّباع القوانين ذاتها، من أجل صقل مهاراتهم وترقيتها باستمرار.