مقال في جريدة أميركية أعادني إلى نيويورك، وأنا لم أكن بحاجة الى تصويت في الأممالمتحدة لأعرف أن العالم كله يؤيد فلسطين ويعارض إسرائيل. كنت في الجمعية العامة سنة 2011 وأبو مازن يلقي خطابه، وأعضاء الجمعية يصفقون له داخلاً وخارجاً، ويقاطعون الخطاب بالتصفيق ثماني مرات، ويهتفون ويبكي بعضهم كما فعلت وسفير لبنان نواف سلام. واعتقدت أن العواطف ستفتر هذه السنة، غير أن الرئيس الفلسطيني استقبل بالحماسة نفسها. وفي حين أن شرطة الأممالمتحدة حمت أبو مازن بسد من رجالها تشابكت أذرعهم، والناس يتدافعون لمصافحته، فإن بنيامين نتانياهو أسرع الى السلم الكهربائي كمجرم قتل طفلة وانتهت مدة عقوبته، وهو يخرج من السجن مسرعاً هرباً من عيون الناس. الأممالمتحدة صوتت هذه السنة بغالبية 139 دولة لمنح فلسطين عضوية دولة مراقبة، بينها روسيا والصين وفرنسا وإيطاليا. وعارضت تسع دول بينها الولاياتالمتحدة (طبعاً) وكندا وحكومتها من نوع المحافظين الجدد وجمهوريات جزر من نوع مايكرونيزيا. الرئيس باراك اوباما وعد سنة 2010 بمقعد لفلسطين وتراجع سنة 2011 وعارض عضوية فلسطين سنة 2012، رغم أن الانتخابات الاميركية انتهت ومعها القيود عليه. أقول له مبروك عليه اسرائيل وجزر المحيط الهادي فإلى مثل هذه الدول هبطت سمعة الولاياتالمتحدة في عهده، ومبروك عليه الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، فهي عقابه على الإخلال بوعوده. أكتب اليوم على خلفية مقال في «ذي اميركان كونسرفاتف»، وهي مجلة الاميركيين المحافظين سياسياً، كان عنوانه «موينهان والصهيونية والعنصرية: ما هو الخطأ». الكاتب سكوت ماكونيل يقارن بين 1975 عندما أقرت الجمعية العامة بغالبية 70 صوتاً اعتبار الصهيونية عنصرية، وبين التصويت الأخير على عضوية فلسطين. هو يقول إنه في سنة 1975 صوت العالم الغربي كله مع اسرائيل، وقاد الحملة السفير الاميركي لدى الأممالمتحدة في حينه دانيال موينهان (السناتور في السنة التالية). ويضيف ماكونيل ان اسرائيل اختلفت بعد 37 سنة، ويقرأ الناس عن باصات خاصة بالفلسطينيين وحدهم لأن المستوطنين غير الشرعيين (وصفٌ من الكاتب) لا يطيقون رؤيتهم معهم في الباص نفسه، وأن الحاخامات أصدروا أوامر دينية تمنع اليهود من تأجير شقق للفلسطينيين الذين بقوا في بلادهم بعد 1948، وأن شباناً يهوداً يمارسون العنف ضد الفلسطينيين في القدس، ما يذكر الاميركي بجو ولاية مسيسبي ضد السود في الستينات. ماكونيل يكمل قائلاً إن اسرائيل مثل رجل بَطين لا يستطيع أن يتوقف عن الأكل، ولا تزال تلتهم من المستوطنات في أراضي الفلسطينيين الى القدسالشرقية. والآن هناك مشترعون اميركيون يريدون إنسحاب الولاياتالمتحدة من الأممالمتحدة لضمان سيطرة اسرائيل على «اليهودية» و «السامرة» وفق قولهم، أي الضفة الغربية. المقال أرفق بثلاثة وعشرين تعليقاً يوم قرأته هذا الأسبوع، غالبيتها تعارض اسرائيل وتأييد الولاياتالمتحدة لها، اخترت منها: - فرص ضائعة لك للإعتراف بأن الدول التي صوتت على قرار 1975 كانت تستشرف المستقبل، وتعرف ما ستؤول اليه اسرائيل. - أعتقد أن اسرائيل ستستفيد من موقف أقوى دول اوروبا. يجب أن يُقال لها إنها لا تستطيع الإحتفاظ بالضفة الغربية. - دعاة الحرب الاسرائيليون يعارضون الأممالمتحدة... أليس هذا سبباً كافياً لتؤيدها الولاياتالمتحدة. - على المدى الطويل اسرائيل ستنتهي. ليس لها أصدقاء في الشرق الأوسط فقد خسرت حتى حليفيها السابقين تركيا وايران. والقول إن الصهيونية تعني حركة تحرير الشعب اليهودي نكتة، وليس للاسرائيليين إلا الهجرة الى الأرض الموعودة اميركا. - غالبية الدول العربية قبلت اسرائيل في حدود 1967، ولكن إصرار اسرائيل على احتلال الضفة الغربية يضر بأمن اسرائيل. أقول اسرائيل جعلت من نفسها دولة منبوذة حول العالم، ولم تعد تخدع أحداً. [email protected]