احتشد عشرات آلاف المتظاهرين أمام قصر الاتحادية الرئاسي في القاهرة أمس في إطار تظاهرات «الإنذار الأخير» التي شهدت تنظيم مسيرات ضخمة توجهت من مناطق عدة إلى القصر، فيما ظلت مجموعات أخرى من المتظاهرين في التحرير لتأمينه ومنع أي محاولة لاقتحامه من قبل أنصار الرئيس محمد مرسي أو الشرطة. وتحول محيط القصر الرئاسي إلى ثكنة عسكرية، إذ أغلقت قوات الجيش والشرطة كل الطرق المؤدية إليه، لمحاولة إبعاد المتظاهرين عن أسواره، إذ أغلقت شارع الأهرام الرئيس قبل أمتار من سور القصر، فيما أغلقت شارع الميرغني الرئيس من على مسافة بعيدة أعلى نفق العروبة، كما أغلقت الشارع نفسه من الاتجاه المقابل قرب نادي هيليوبوليس، بينما أمنت قوات الأمن مخرجاً للرئيس من شارع جانبي يفصل ما بين قصر الاتحادية وقصر عبدالحميد سراج يؤدي إلى اتجاه طريق السويس ومنه إلى منزله في ضاحية التجمع الخامس. واستخدمت قوات الشرطة في إغلاق الشوارع بالأسلاك الشائكة والمتاريس الحديد بارتفاع نحو مترين لمنع اختراقها، كما وضعت سواتر ترابية لغلق بعض الشوارع الجانبية. وبدا أن الخطة الأمنية التي أغلقت شوارع رئيسة مؤدية إلى القصر من على مسافات بعيدة ساعدت في تطويق القصر ذاته، إذ تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين على مقربة من القصر في شارع الأهرام، فيما واجهت حشود أخرى قوات الأمن التي تمركزت أعلى نفق العروبة من ناحية شارع الميرغني لتطوق الأبواب الرئيسة للقصر. واصطفت عشرات من مدرعات الشرطة وسيارات الأمن المركزي التي تحمل آلاف الجنود الذين وقفوا في تشكيلات خلف المتاريس والأسلاك الشائكة لمواجهة أي محاولة لتخطيها في اتجاه القصر. ورغم أن القوات المسلحة نفت وجود ضباط من الجيش لتأمين القصر، إلا أن «الحياة» شاهدت ضباطاً وجنوداً من الجيش على مقربة من القصر من ناحية شارع الميرغني لتأمينه، ولكن بأعداد قليلة. وقالت القوات المسلحة إنه «لم يتم الدفع بأي قوات عسكرية لتأمين محيط القصر». وأضافت في بيان أن «مهمة تأمين محيط قصر الاتحادية ليست من اختصاص القوات المسلحة، وتتولاها جهات أخرى عديدة». وتجمع المتظاهرون في شارع الأهرام على مقربة من القصر، وهتفوا: «الشعب يريد إسقاط النظام» و «يسقط يسقط حكم المرشد»، و «باطل... إعلان دستوري باطل... استفتاء... باطل»، وهي الهتافات التي سُمعت بوضوح داخل القصر. كما رفع المتظاهرون لافتات كُتب عليها: «ارحل يا مرسي». وكانت مسيرات ضخمة تحركت مع غروب الشمس من مسجدي النور في العباسية وعمر مكرم في مدينة نصر ومن أمام جامعة عين شمس وميداني المطرية وسراي القبة، لتتجمع كلها في شارع الأهرام في مواجهة القصر الرئاسي، في حشد هو الأضخم في هذه المنطقة منذ تنحي حسني مبارك في 11 شباط (فبراير) 2011. وبدت الإجراءات الأمنية حول القصر غير مسبوقة منذ التنحي، وفق شهود من سكان المنطقة، اشتكوا من غلق الشوارع وقطع الطرق رغم أن الأمن أبدى تساهلاً مع تظاهرات نظمها أنصار الرئيس قبل أيام وشهدت نصب منصة إلى جوار سور القصر خاطب مرسي عبرها أنصاره. وسرت مخاوف من حدوث اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين وسط أجواء احتقان واستقطاب هي الأشد منذ اندلاع «ثورة يناير» على خلفية اتهام المعارضة الرئيس بتجاهل مطالبها والتصعيد في مواجهتها بقرارات متتابعة جاءت كلها بعيدة من التوافق. وقال الناطق باسم «حركة 6 أبريل» محمود عفيفي ل «الحياة» إن «التظاهرات سلمية والدولة مسؤولة عن تأمينها»، مشيراً إلى أن «مطالب المتظاهرين تتلخص في إلغاء الاستفتاء على مشروع الدستور وسحب الإعلان الدستوري». وكان حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان المسلمين»، حمل الداعين إلى التظاهرات المسؤولية عن أي اشتباكات قد تندلع خلالها، مشيراً إلى أن منظمي التظاهرة مسؤولون عن الحفاظ على سلميتها. من جانبه، قال مؤسس «حركة 6 أبريل - الجبهة الديموقراطية» طارق الخولي ل «الحياة» إن القائمين على التظاهر يحرصون على سلميته، لكن الأمن برد فعله العنيف قد يحوله إلى اشتباكات. وأضاف أن «الإجراءات الأمنية في محيط القصر الرئاسي توضح أن جهاز الشرطة لا يزال يعمل لحساب السلطة وأنه يكيل بمكيالين، خصوصاً أن الشرطة سمحت للإسلاميين بحصار المحكمة الدستورية العليا رغم موقفهم العدائي من قضاتها، ما يدل على أن الشرطة ما زالت تخدم النظام لا الشعب». وتساءل: «لماذا يظهر المندسون في التظاهرات المعارضة فقط؟ الأمن هو من يندس في فعاليات الثوار لتشويهها»، مشدداً على أن سلمية التظاهر «مسؤولية الدولة لا المتظاهرين». ولوحظ غموض موقف قيادات «جبهة الإنقاذ الوطني» من المسيرات إلى قصر الرئاسة، خصوصاً أن بيان الجبهة لم يدع إلى تنظيم هذه المسيرات. وتجمع آلاف في ميدان التحرير لتأمينه وضمان عدم اقتحامه، وتوجهت مسيرة من مقر «بيت الأمة» القريب من الميدان صوبه على رأسها القيادي في الجبهة عمرو موسى ورئيس حزب «الوفد» السيد البدوي. وردد المتظاهرون في الميدان هتافات ضد الرئيس ومرشد «الإخوان» والإعلان الدستوري ومشروع الدستور. في غضون ذلك، طوقت قوات الشرطة العسكرية التابعة للجيش مقر وزارة الدفاع في حي كوبري القبة، إذ اصطف مئات الجنود معززين بآليات عسكرية بموازاة سور الوزارة وأمام بوابتها الرئيسة، تحسباً لمرور مسيرات «الإنذار الأخير» أمامها.