ثمة مؤشرات كثيرة إلى ما يحسبه الغرب نجاحاً للعقوبات على إيران، منها انخفاض قيمة الريال الإيراني، وتدهور معدلات صادرات النفط، وتعاظم التضخم. ويرى الغرب أن العقوبات ستحمل طهران على وقف تخصيب اليورانيوم وأن سقوط النظام وشيك على وقع «ربيع فارسي». لكن مثل هذه الحسابات يفتقر إلى الدقة، وهو يردد أصداء خطاب النظام المعادي للغرب. فالعقوبات تعزز قبضة تجار البازار الكبار المؤيدين للملالي، وتقيد نمو طبقة مقاولين لا تنساق وراء عقيدة ولاية الفقيه، وترسخ اعتماد الإيرانيين على الدولة التي تسيطر على 80 في المئة من الاقتصاد وتيسر إحكام العسكر القبضة على قطاعات صناعية واسعة. ولا يعود التضخم المالي الإيراني إلى العقوبات. فهو مزمن منذ 5 سنوات، ووثيق الارتباط بقرار نجاد زيادة المساعدات العامة 4 أضعاف ما كانت عليه قبل بلوغه السلطة، وإلغاء الدعم على النفط. وفي العقد الماضي، أودعت طهران رأسمالها في الخارج. ومع ارتفاع أسعار النفط الخام ارتفعت معدلات الفائض التجاري الإيراني، واحتياط المصرف المركزي الإيراني من العملات الصعبة كبير، ويسعه مد الدولة بالدولارات وتمويلها لسنوات طويلة. ويعبد الحظر على تصدير نحو 50 مادة ضرورية مثل القمح والطحين والسكر واللحوم الحمراء والألمنيوم والفولاذ...، وإدارة الاقتصاد إدارةً حكيمة، الطريق أمام تثبيت استقرار أسعار السلع الاستهلاكية. لكن العقوبات تقلص معدلات ضخ الحكومة الدولار في الأسواق الموازية التي تلجأ إليها الطبقات الوسطى والعليا لشراء المنتجات المستوردة الفخمة والجذابة. ونجم عن تقليص العرض على الدولار وتدهور قيمة الريال هذه السنة، وحظر استيراد السلع الغربية، ادخار الحكومة نحو 12 بليون دولار سنوياً في هذا السوق. الطبقات المدينية الوسطى والعليا التي نزلت إلى الشوارع في 2009 للاحتجاج على انتخاب أحمدي نجاد، هي أبرز المتضررين من العقوبات. والقطاع الصحي الإيراني على شفير انفجار: فهو يضطر إلى شراء معداته والأدوية في السوق السوداء، لذا، بلغت كلفة الاستشفاء 5 أضعاف معدلاتها السابقة، وفُقِد بعض الأدوية الغربية من الأسواق. والتحايل على العقوبات ممكن، وثمة شبكة من التجار الجشعين الذين لن يتوانوا عن جني الأرباح عبر مد شبكات معقدة بين المصارف وبعض الشركات - وهي واجهة للحكومة الإيرانية - الصينية والروسية والماليزية والسويسرية والعراقية واللبنانية والإماراتية لتمويل طهران ب «العملة الصعبة». وباع إيران طويل في تبادل السلع. وهي تبيع النفط باليوان والروبية والين، وتشتري الذهب الذي تقايضه مع الهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان وتركيا وأوكرانيا في مقابل الأرز والوقود والفحم والألومنيوم وقطع السيارات والكومبيوتر. ومنذ فرض العقوبات الجديدة مطلع السنة، بلغ التبادل التجاري مع تركيا ضعفي حجمه في 2011 وتعاظمت معدلات التبادل مع العراق الذي خسر السوق السورية مع اندلاع الأزمة. وأبرمت طهران اتفاقات مع كابول ودلهي تصل أفغانستان بمنفذ مائي إيراني، وأنشأت شبكات مقايضة مع باكستان (...). ويبدو حسبان الغرب أن في الإمكان خنق الاقتصاد الإيراني ضعيف الصلة بالواقع. فمساحة إيران 3 أضعاف مساحة فرنسا، وعجلة نموها الاقتصادي تدور من غير تباطؤ، وتربطها بعدد كبير من دول الجوار حدودٌ برية وبحرية هي الأوسع في العالم بعد الحدود الروسية. وقد يقال إن البديل عن العقوبات الفاشلة التي ستنجح إيران في تجاوز آثارها في 2013، هو توجيه ضربة عسكرية إلى منشآتها النووية. ولكن في منطقة بالغة الاضطراب، يبدو مثل هذه الضربة متهوراً. فباكستان تعيش على وقع انقلابات مزمنة ومتواصلة الفصول منذ استقلالها، وأفغانستان غارقة في مستنقع فوضى، والعراق وسورية تنهشهما الحرب الأهلية. استقرار لبنان بالغ الهشاشة، والنزاع الإسرائيلي - الفلسطيني يدور في حلقة مفرغة. ومن يبادر إلى ضرب إيران يرسي منطقة اضطراب سياسي تمتد من فلسطين إلى الصين، وقد يساهم في «صدمة» نفطية تفاقم الأزمة المالية العالمية وترفع سعر برميل النفط إلى 200 دولار. ويؤذن إخفاق العقوبات على إيران باستئناف المفاوضات. * أستاذ جامعي فرنسي وباحث، عن «لوموند» الفرنسية، 28/11/2012، اعداد منال نحاس