يتضافر تشديد العقوبات الدولية المفروضة على ايران بسبب برنامجها النووي المثير للجدل مع تضخمٍ جامحٍ رفع أسعار السلع بشكلٍ كبير، ما قيّد قدرة الطبقة العاملة الإيرانية على إعالة نفسها وعائلاتها. وقالت وكالة أنباء "رويترز" في تقريرٍ لها من طهران: إن عدم التيقن والصعوبات المالية يهيمنان على الأجواء قبيل انتخابات برلمانية مقررة في الثاني من مارس، ويبلغ معدل التضخم الرسمي 21 بالمئة، لكن منتقدين للرئيس محمود أحمدي نجاد وسياسته الاقتصادية يقولون إن تلك الارقام زائفة وإن التضخم الحقيقي حوالي 50 بالمئة.
وقالت الأم مرجان حميدي، 52 عاماً، أثناء وقوفها في السوق: "قدرتي الشرائية تتراجع كل يوم تقريباً وأسعار الأغذية الأساسية تقفز بين عشية وضحاها".
وتضيف الوكالة: بسعر يبلغ 25 دولاراً للكيلو يصبح اللحم على نحو متزايد خارج متناول إيرانيين كثيرين. وقبل ثلاثة أشهر كان السعر أرخص عشرة دولارات.
وفي الشهر الماضي، تقاطر ايرانيون كثيرون على المتاجر وأفرغوا الأرفف تحسباً لأنباء سيئة، ونتج ذلك عن تكهنات متنامية بأن اسرائيل والولايات المتحدة ستشنان ضربات عسكرية ضد المواقع النووية الإيرانية.
وحسب التقرير، فإن العقوبات على إيران ليست أمراً جديداً، لكن العقوبات الأحدث استهدفت صناعة النفط والمؤسسات المالية في مسعى لحمل القيادة على التخلي عمّا يعتقد الغرب أنه برنامج لإنتاج أسلحة نووية. وتصر طهران على أن أنشطتها النووية سلمية.
وتقول الحكومة إن العقوبات لا تؤثر تأثيراً يُذكر لكن تهاوي قيمة العملة الإيرانية الريال يثير فزع الإيرانيين. ورغم إجراءات من البنك المركزي الإيراني لدعمه إلا أن الريال فقد نصف قيمته مقابل الدولار منذ ديسمبر.
وفي حين يلقي كثيرون باللوم على العقوبات في ارتفاع الأسعار، فان هناك استياءً شديداً أيضا إزاء الحكومة لتطبيقها إصلاحات اقتصادية أدّت إلى سحب الدعم المكثف لأسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية في نهاية 2010.
ويعبر منتقدون كثيرون، من بينهم أعضاء بالبرلمان، عن مخاوفهم علناً بشأن الإصلاحات ويقولون إن دعماً نقدياً شهرياً قدره 40 دولاراً للفرد لا يكفي.
ونقلت صحيفة "همبستجي" عن محمد رضا بهونار، وهو نائب كبير بالبرلمان، قوله "قد نصل الى مرحلة يتمنى الناس فيها لو أن القانون لم يطبق قط".
وفي أنحاء البلاد يبدي بعض الإيرانيين تشككاً في أن الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات بعد أقل من أسبوعين يمكن أن يحسّن أوضاعهم. ويبدي الزعماء قلقاً متزايداً من ضعف نسبة المشاركة في انتخابات يهيمن عليها الهَم الاقتصادي.
قالت بارفين (59 عاما) وهي ربة بيت من مدينة جورجان في جنوب البلاد "لا أحد في عائلتي يعتزم التصويت .. هذا آخر شيء نفكر فيه. ما الفائدة.. "العقوبات مشكلة لكن السياسات الاقتصادية لحكومتنا مشكلة أيضاً. الحياة أصبحت لا تطاق".
وفضلاً عن الأسعار، فإن البطالة مبعث قلق آخر للإيرانيين الذين يحاولون تلبية حاجاتهم. وعلى مدى العام المنصرم كان للصعوبات المالية المتصاعدة عواقب وخيمة على مختلف الشركات الكبيرة والصغيرة. عشرات الآلاف من الوظائف ألغيت وتتحدث مواقع المعارضة عن إضرابات لعمال لم يحصلوا على أجورهم لشهور.
وبدلاً من التفكير في الانتخابات الوشيكة يبدو إيرانيون كثيرون منشغلين بإيجاد السبل للحد من معاناتهم وزيادة مواردهم. وبالنسبة للشبان والطبقات الوسطى المتعلمة يعني هذا الخروج من إيران.
وتنقل الوكالة عن المحاسب رضا، 30 عاماً، وهو يقف في طابور عند السفارة الفرنسية في طهران "لا أريد أن أنجب طفلاً هنا .. يمكن أن أصبح بلا عمل في أي لحظة. لا أمل لي ولزوجتي هنا، "كل ما أريده هو السفر. مستعد حتى للعمل في ماكدونالدز".