الحلاق العجوز الجار معجب بالإعلامي نديم قطيش إعجاباً كبيراً. بل هو يعتبره، ومنذ ما يقارب الشهرين على الأقل، صاحب الخيال الأوسع والحضور الأظرف بين مقدّمي البرامج في لبنان، وربما على المحطات العربية جميعاً. صحيح، يقول الحلاق لجاره الصحافي، إنه كان يتابع عمل قطيش وحضوره الفضائي منذ زمن بعيد وإنه كان يخصّه بمحبة خاصة على رغم الكثير من المآخذ التي كانت له عليه، لكنه أبداً ما كان يتصور أنه سيعطيه المكانة الأولى في سلم إعجابه «منذ بدأ برنامجه الجديد الفاضح – وفق رأيه – أكاذيبَ السياسيين بطريقته الظريفة المبتكرة». والحقيقة أن همة الحلاق في محبة قطيش لم تفتر حتى وإن لم يكن قد وافقه خلال الأيام الماضية حين رآه يتحول من إعلامي ومحلل سياسي مميّز إلى نوع من المزيج بين «غافروش» محلي و«جان دارك مذكّر»، ما استدعى تحقيقاً «قضائياً» معه أثار بالطبع سخرية الحلاق وريبته. كل هذا منطقي ولا يفسد في الود قضية بين الرجلين، كما أن الصحافي الجار الذي يُسمعه الحلاق هذا الحديث عند الصباح، يتلقاه ببساطة وأريحية. ومع هذا، وفي غمرة ارتياح الحلاق للحلقات الأخيرة من برنامج نديم قطيش، وجد نفسه ذات لحظة يتساءل ولو مع شيء من التردد: حتى ولو كنت أرى ما يراه قطيش وأوافقه على تهافت الذين يسلط عليهم لسانه وأفكاره وكاميراه، أكاد استغرب أن «ضحاياه» – الذين لا أرى على أية حال أنه يفتري عليهم – لا ينتمون إلا إلى فئة واحدة من السياسيين اللبنانيين... صحيح أن معظم هؤلاء جديرون وأكثر بما «يفعله فيهم»، ولكن ماذا عن الآخرين؟ ماذا عن خصومهم؟ وماذا عن الأطراف التي تكاد تكون وسطية أي بين بين؟ أوليس هناك ما يعيبهم ويجعلهم جديرين بالتفات نديم قطيش إليهم؟ هل هم معصومون كامرأة القيصر؟ أوليس من بينهم من يكذب، ومن يعد ولا يفي، ومن يضخم الأمور موصلاً البلاد أيضاً إلى حافة الحروب الأهلية والصراعات المدمرة؟ أوليس بينهم سارقون وفاسدون؟ «طبعاً، يضيف الحلاق، أنا لا أريد أن أساوي القاتل بالقتيل، ولا الجلاد بالضحية... ولا من يعمّر لبنان بمن يسعى إلى تدميره... ولكن «شي ومنّه» كما يقول التعبير الشعبي... فإذا كان صديقنا وحبيبنا نديم قطيش يريد منا أن نصدقه، فعليه أن يخوض هذا الامتحان الديموقراطي... بل بالأحرى عليه أن يجبر جماعته على خوض هذا الامتحان، إذ من دون ذلك، أي من دون مثل هذه الموضوعية النسبية تظل المواقف ناقصة، والصدقية في مهب الأيديولوجيا والأحكام المسبقة. أما في اللجوء إليها فامتحان حقيقي لديموقراطية من ينادون بالديموقراطية قائلين لنا إنها سلاحهم الوحيد في وجه كل سلاح!».