لعلها واحدة من فضائل رمضان المبارك غير المباشرة، ان يكون عدد من المحطات التلفزيونية، في لبنان وفي غيره، عمد الى توقيف العديد من البرامج السياسية إفساحاً في المجال أمام البرامج الفنية والدينية وبرامج الألعاب والثرثرة التي يستسيغها عادة جمهور الصائمين معتبراً إياها نوعاً من الهدنة. ولعل ما يمكننا تخمينه هنا، هو أنهم لن يكونوا قلّة أولئك الذين لن يحسّوا بأي حزن لتوقف تلك البرامج السياسية وشبه السياسية، معتبرين الأمر هدنةً أنعمت بها عليهم العناية الإلهية... وبالتالي من الصعب القول إنهم سيشعرون خلال الأيام المقبلة بأيّ حنين اليها. والحال أننا كي نكون منصفين هنا، لا بد من الإشارة الى ان هذه المشاعر ليست إزاء اصحاب البرامج بشكل عام، بل إزاء ضيوفهم! ومن هنا، إذ يتوقع المتفرجون عودةً ما لكل هؤلاء، أو لمعظمهم، فإنهم يأملون منهم التمكن لاحقاً من ابتداع ضيوف جدد غير اولئك الذين اعتادوا ان يثيروا مشاعر تتراوح بين الضجر والاشمئزاز. غير أننا إذ نقول هذا، لا بد من ان نتوقف هنا للإشارة الى حنين قد يستبد ببعض المتفرجين على الأقل، إزاء بعض المقدمين وأسلوبهم الجذاب في تحويل الفقرات السياسية متعةً ما... وطبعاً ليس المكان هنا كافياً للتوقف عند أسماء بعينها، بيد ان اسماً من هذه الأسماء نراه يلحّ علينا هنا، ربما ليس بفضل السياق العام للبرنامج الذي يقدمه بنجاح منذ سنوات، بل بفضل تجديد عرف أخيراً كيف يدخله على برنامجه، فيقلب الى حد ما مفاهيم التقديم السياسي ويجعل من فقرة من برنامجه متعة بصرية ومتعة حكي سيكون من الظلم عدم التوقف عندها، تماماً كما كان من الظلم اقتصارها على الأسبوعين الأخيرين من عمر البرنامج قبل توقفه الرمضاني. البرنامج الذي نتحدث عنه هو «ستديو 24»، أما مقدمه، فهو طبعاً الإعلامي نديم قطيش. من ناحية مبدئية، يمكن المرء ان يتفق سياسياً مع قطيش أو أن يختلف، وكذلك يمكن المرء ان يأخذ على أسلوب تقديمه أموراً كثيرة، لعل ابرزها إصراره على مقاطعة ضيوفه وجعْلِ أسئلته لهم أطول من إجاباتهم. وقد يُنعى على البرنامج محاولته التوفير مالياً على المحطة، بالاكتفاء بالتحاور مع ضيوفه البعيدين هاتفياً، بعدما كان تصويرهم عبر الأقمار الصناعية واحداً من نقاط قوته... ولكن في مقابل هذا كله، لا بد من الاعتراف لقطيش بأنه عرف كيف يعوّض هذا كله وأكثر، في تلك المقدمات التي بدأ يفتتح بها حلقات برنامجه، متكلّماً فيها باللبنانية المحكية بعمقِ وعذوبةِ حكواتيٍّ حقيقي... مستخدماً الصور، والرسوم المعبِّرة، والخرائط... في محاولة تلفزيونية آسرة، جعلت –ولو لأيام قليلة– من الحكي السياسي فناً قائماً بذاته. هدنة رمضان إذاً، أوقفت هذه الفقرة المدهشة، وليس لنا ان نحتج... ولكن إذا كان نديم قطيش قد وعد في الحلقة الأخيرة بالعودة بعد رمضان في تجديد شامل، فإن ما نرجوه هو ان تكون العودة كلها مستوحاةً من هذا التجديد المدهش، الذي جعل للقول السياسي مذاقاً آخر.