تخيل معي لحظة أنك تجلس مع أصدقاء في مقهى هادئ، فتجد أحدهم يخرج هاتفه ليصور كل رشفة قهوة وكل ضحكة عابرة، لتسأل نفسك هل أصبحت حياتنا مَدارَ عدسات ومؤثرين يقررون ماذا نعيش ومتى نعيش؟ في الماضي، كانت لدينا زاوية خاصة في البيت، لا يصل إليها أحد إلا بدعوة صريحة؛ أما اليوم، فقد أصبحت البيوت الرقمية مفتوحة على مصراعيها. نُكثر من «ستوري» و«بوستات» ونُفرط في مشاركة التفاصيل اليومية، حتى صرنا نستخدم اللحظات الخاصة لإثبات وجودنا الإلكتروني. هل تتذكر آخر مرة جلست فيها مع أحدهم ساعة كاملة دون أن يلمس هاتفه؟ لا شيء يضاهي طعم المحادثة الحقيقية من دون أن يقطعها صوت الإشعار. للأسف، أضحى كثيرون يدركون قيمة اللقاء الشخصي فقط حين يفشلون في كسب «لايك» كاف لمنشورهم الجديد. نشاهد صورًا لرحلات فاخرة وأجسام متناسقةٍ، ثم نجد أنفسنا في منتصف الليل نتساءل: لماذا أنا لست هكذا؟ الحقيقة أن ما نراه غالبًا مجرد لقطات مختارة بعناية وتحرير مفرط، لا تعكس واقعًا يوميًّا. لذا يجدر بنا أن نتذكر أن خلف كل صورةٍ لامعة، هناك ساعاتٍ طويلة من العمل والفلترات. وعلى صعيد الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية، تشير دراسة S teers (2014)، ودراسة Vogel (2014) إلى أن الإنفاق المفرط للوقت على فيسبوك يرتبط بارتفاع أعراض الاكتئاب، ذلك عبر ما يُسمى بالمقارنات الاجتماعية الصاعدة التي تدفع المستخدمين للانكفاء النفسي عندما يرون نماذج حياة تبدو مثالية لديهم، وبسبب التعرض المستمر لمحتوى يعزز هذه المقارنات الصاعدة، يستنزف احترام الذات سواءً كحالة آنية أو كصفة شخصية، مما يفاقم القلق ويضعف الصحة النفسية على المدى البعيد. ببساطة، عندما يرى أحدنا مليون متابعٍ وسيلة للتأييد، يتحول المنشور إلى سلاحٍ. تعليق سلبي أو شائعات صغيرة تستفز الجمهور فيدفعون ثمنها أحاديث جانبية وقلوب مجروحة. وهنا نفقد الثقة في بعضنا قبل أن نفقد الحقيقة. في النهاية، لا تُترك لحظةٌ من حياتك أسيرة البحث عن الشهرةِ والتصوير المستمر. عش يومك بصدق، واسمح لذكرياتك بأن تنطبع في قلبك قبل أن تنطبع في الشاشة.